الرئيسية

ماذا لو كان الرحيل خيارا متاحا؟ الموت الرحيم بين القبول والرفض

ماذا لو كان الموت خيارا متاحا، لمن دخلوا حالة فقدوا فيها الأمل، أو لمن أرادوا وبكل بساطة، أن يرحلوا عن هذه الدنيا بما تبقى لهم من كرامة. عندما يشعر المرء بتعب شديد و عذاب أليم. يصبح الشفاء صعب المنال، يختار موتا رحيما. باليونانية أطلقوا عليه "الأوتانازيا"، فيما معناه الموت الجيد أو الموت اليسير، وبالعربية قالوا عنه موتا رحيما، فيما اعتبره آخرون قتلا أو انتحارا، وهو ما يؤكده المغرب، لارتباط هذا الموضوع بالدين والقانون وحقوق الإنسان.

حسناء عتيب

لم تتردد في الجواب ابنة أحد المرضى ميؤوس من شفائه، حين سألناها عن رأيها في “الموت الرحيم”، حيث قالت بصوت حزين:”تعددت الأسباب والموت واحد”.. هكذا بررت “نادية كيداي” 30 سنة “لهوامش”، قبولها بالفكرة إيمانا منها بأنها الطريقة الوحيدة التي بإمكانها أن تنهي مرض والدها الذي دام أكثر من 7 سنوات لم ينفع معه دواء”. 

هي الوسيلة الوحيدة المتبقية، تضيف “نادية” والتي تجسد قمة الرأفة والرحمة، سواء في حق والدها أو في حق ذويه وهي واحدة منهم، وقد أهلكهم العوز المادي والمعاناة النفسية المقرونة بتكاليف التنقل ومصاريف العلاج الغير مجدي، ولو كانت الدولة المغربية تسمح بها لما ترددت لحظة واحدة”.

في المقابل اعترض “زكرياء حاتمي” 45 سنة، على وضع حد لحياة الغير، وبدون تردد قال لهوامش:” الروح هي ملك لله، وهو وحده حرّ في أخذها أو تركها متى يشاء، وأضاف:” أنا ضد توقيف العلاج للمريض الميؤوس من شفائه، لأن العلم اليوم يتقدم بشكل سريع ورهيب، هناك دائما أمل في إيجاد أدوية بديلة للحد من معاناة المرضى”.

مقبول في الغرب 

استعمل مصطلح ” الموت الرحيم” بشكله الحديث أول مرة الفيلسوف الإنجليزي “فرنسيس بيكون” في القرن السابع عشر، حين دعا إلى تشريع موتٍ سريعٍ خالٍ من الألم، حيث قال: “لا يقتصر دور الطبيب على إعادة الصحّة للمريض فقط… لكن تخفيف المعاناة والآلام كذلك، وتزويده في حالة انعدام الأمل بموتٍ ناعم”.

لكن أجمعت الديانات السماوية من يهودية ومسيحية وإسلام، على تحريم وتجريم “الموت الرحيم”،  واتفقت على انه حتى لو كان المحتضر يعاني آلاما مبرحة، أو كان هو نفسه الذي يطلب الموت، فلا يجوز قتله بأي حال من الأحوال إلى أن تخرج روحه بشكل طبيعي وينتهي أجله المحدد.

وبالرغم من ذلك، وفي العام 2002، صدر قانون في هولندا تلاه في العام 2003 قانون مماثل في بلجيكا، يجيز تنفيذ الموت الرحيم في الحالات المستعصية، فيما عرفت دول أخرى بتساهلها مع القتل الرحيم من خلال تجاوزها عن الثغرات القانونية التي يستغلها البعض للقتل/الموت الرحيم، كالدانمارك والسويد وسويسرا، وكذا أستراليا وأمريكا)بعض الولايات(.

وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، كان تنظيم الموت الرحيم على الصعيد المدني والاجتماعي والقانوني.

حٌدّدت عقوبات

في الشرق يختلف الأمر تماما، فقد خصصت بعض الدول له مكانا في مساطرها القانونية مع تحديد العقوبات. فقد اعتمد القانون اللبناني مثلا نسخة عن النص الفرنسي، ونصّ بذلك في المادة 552 من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الشفقة بناء على إلحاحه في الطلب”. 

كما عاقبت المادة 538 من قانون العقوبات السوري بالاعتقال من ثلاث إلى عشر سنوات، من قتل إنسانًا قصدًا بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب.

المادة 96 من قانون العقوبات الإماراتي، اعتبرت أن دافع الشفقة في القتل عذر قانوني مخفف للعقوبة على خلاف باقي الدول العربية.

ضرورة فتح النقاش

في هذا الإطار، سألنا أحد الأطباء بالمستشفى الجهوي بالرباط والذي رفض ذكر إسمه، وأكد في حديثه لنا أنه “يجب فتح مزيد من النقاشات حول الموضوع ، إذ إن هناك حالات بعض الأمراض في لحظاتها الأخيرة والتي لا يبقى فيها العلاج نافعا مثلا السرطانات المنتشرة في جميع الأعضاء، وخاصة الأعضاء الرئيسية في الجسم والتي لا ينفع معها دواء”.

وأضاف: “خلال تجربتي المتواضعة والتي دامت أكثر من 10 سنوات في ميدان الطب، فإنني أؤيد بشدة إنهاء حياة المريض ، فحتى بعض العائلات عندما يشتد مرض قريبهم، ويتم استبعاد إمكانية العلاج، خاصة بعض الأمراض السرطانية و التي لا يمكن حلها بالعمليات الجراحية، يطلبون أخذ المريض إلى المنزل،  لعلمهم المسبق باستحالة شفائه وبأن أجله قد اقترب ولو خيروا في تلك اللحظة بين تركه أو إنهاء حياته لما ترددوا في اختياره”.

جريمة في القانون المغربي

يعتبره القانون المغربي جناية ترتبط بالقتل العمد، تنتهي بصدور عقوبة مشددة لأنه يسمى بالقتل العمد، إذ لا يمكننا إيقاف حياة شخص ما بشكل إرادي حسب ما صرح به العلوي إدريس محامي بهيئة الرباط “لهوامش” وقال : ” بأن المغرب لا يوافق على إجراء القتل الرحيم في حق المرضى، ، لأن توجهات المغرب لا تسير في منحى مؤيد كبعض الدول وتعتبره جرما يعاقب عليه كعقوبة “القتل”

أما بخصوص عدم ذكر المشرّع المغربي لهذا الموضوع داخل ترسانته القانونية يضيف “العلوي” لا يعني السماح به أو غضّ الطرف عنه بل العكس، “فالمشرّع المغربي يرفضه رفضا باتا على اعتبار مرجعيته القانونية الدينية، وأدخله ضمن القتل العمد وخصه بأقصى العقوبات .

و لكن

يقول عبد الوهاب رفيقي، مفكر و باحث في الفكر الإسلامي، لهوامش أن” الموت الرحيم أولا في أدبيات الأديان كلها سواء عند اليهود أو المسيحيين أو حتى المسلمين بكل مذاهبهم، أجمعوا على تحريم  قتل شخص معين لأي سبب من الأسباب كيفما كانت حالته الصحية، و مهما بلغت حدة الألم.

وأضاف:” من الصعب على أي شخص أن يقتحم هذا الباب،  أو أن يقدم رأيا مخالفا  داخل الإطار الديني بأن يبيح فيه مثلا إنهاء معاناة مريض ما، لسبب بسيط هو أن لاشيء يسعفه لا من خلال النصوص أو غيرها من الأصول التي تبنى عليها الأحكام، إضافة  إلى الخوف في التجرؤ على أمر في مثل هذا الأمر متعلق بأرواح البشر وحياتهم” .

واسترسل رفيقي في القول شارحا:” هناك أمر واحد لا بد من الإشارة إليه، وهي أن فقهاء المسلمين أنفسهم اختلفوا في حالة واحدة وهي حالة “الموت الدماغي”، وهو مختلف فيها بين فقهاء المسلمين المعاصرين باعتبارها حالة مستجدة لم يعرفها العالم إلا متأخرا، وبالتالي اعتبرت نازلة من النوازل التي تم دراستها في عدد من المجمعات الفقهية وكتب فيها عدد من فقهاء المسلمين،  واختلفوا بين من يقول انه مادام هناك أمل في حياته ولو حتى ضعيفا  فلابد من التشبث به، ولا يمكن في أي حال من الأحوال إزالة الأجهزة عن قلبه.

فيما اعتبر البعض الآخر أن استمرار ربط الأجهزة التي تحافظ على نبضات القلب فيه كلفة على عائلة المتوفى دماغيا، و على المستشفى الذي يستقبله، باعتبار أن السرير يمكن أن يكون مهما لمريض آخر هو في حاجة ماسة إليه أكثر منه، وبالتالي لا يرون أي حرج في إزالة تلك الأجهزة عن المريض وإعلان وفاته بشكل نهائي”.

وختم رفيقي بالقول “أن هذه هي الحالة الوحيدة  التي وقع  فيها الخلاف بين فقهاء المسلمين، أما ما عدى ذلك فيتفق الفقه الإسلامي ومعه فقه الأديان الأخرى على انه لا يمكن بأي حال من الأحوال السماح بإنهاء حياة متحققة لتخليصه من الم معين”.

مشاهير اختاروا الموت الرحيم

يذكر أن الممثل الفرنسي “آلان ديولون” قد أعلن نهاية شهر مارس الماضي عن يأسه من الشفاء من مختلف أمراضه التي قضى بسببها سنين من المعاناة والألم، مقررا وضع حد لكل معاناته باختيار “الموت الرحيم”. وأنه طلب تنظيم رحيله بداخل أحد الأماكن المخصصة في سويسرا حيث يقيم حاليا. 

وليست المرة الأولى التي أعلن فيها مشاهير عن اختيارهم “الموت الرحيم” من بينهم العالم “كريستيان دو دوف”، الحائز على جائزة نوبل في الطب عام  1974، نجم كرة القدم الهولندي، “فرناندو ريكسن” بعدما أصيب بمرض شلل الأعصاب في 2014 أدى إلى اعتزاله كرة القدم، بعدما يأس من شفائه وانتهى الأمر بفقدانه النطق تمامًا، عام  1987  وضعت المغنية المصرية من أصول إيطالية، دالية، حدا لحياتها بعدما كتبت رسالة فيها “سامحوني..الحياة لم تعد تحتمل”…

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram