الرئيسية

القطاع الصحي في المغرب.. نزيف حاد في الأطر بسبب الهجرة وظروف العمل السيئة

المنظومة الصحية بالمغرب أصبحت في خطر أمام الوضعية الراهنة لهجرة الأطباء والنقص الحاد في عددهم، هذا ما يجمع عليه المهنيين في القطاع والتقارير الرسمية والغير الرسمية، بحيث أن عدد الأطباء الذين هاجروا خارج المغرب يتراوح بين 10 آلاف إلى 14 ألف  طبيبا وفقا للمعطيات التي قدمها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الصادر قبل أسبوعين، ما يعني أن طبيبا واحدا من كل ثلاثة أطباء يمارس خارج البلد.

هاجر الريسوني

هجرة المئات من الأطباء سنويا نحو البلدان الأوروبية خاصة، أدى إلى نقص حاد في الأطر الطبية في المغرب، إذ تصل حاجة البلاد إلى 32 ألف طبيب إضافي بينما يعمل حاليا في القطاع 23 ألف طبيب فقط يتوزعون على 9021 ألف طبيب بالقطاع العام و14 ألف و622 طبيب في القطاع الخاص.

وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تدارك الخصاص في الأطر الطبية وتوظيف الخرجين الجدد، كشفت دراسة جديدة عن أنّ أزيد من ثلثي طلبة الطب لديهم نية الهجرة والعمل خارج المغرب، بحيث أفادت الدراسة التي نشرتها مجلة European Journal of Public Health أن 70.1 في المائة من الطلاب يريدون المغادرة لإكمال مسارهم الدراسي والمهني في الخارج.

وعزى طلبة الطب رغبتهم في المغادرة إلى عدد من التحديات، إذ أن 97.6 في المائة منهم اعتبر أن ظروف التدريب في الخارج أفضل، و99 في المائة منهم اعتبر أن ظروف العمل جيدة مقارنة مع المغرب، فيما تحدث 97,2 في المائة عن جودة الحياة في الخارج، بينما تطرق آخرون إلى هزالة الأجور وتشويه سمعة الطبيب في وسائل الإعلام.

المعطيات الصادمة التي خلص إليها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، دفعت وزير الصحة خالد آيت طالب للإعلان عن اتخاذ الحكومة لعدد من الإجراءات للحد من هجرة الأطباء، وذلك خلال جوابه على أسئلة البرلمانيين في مجلس النواب الأسبوع الماضي، حيث قال ايت طالب إن وزارته ” تعمل على اتخاذ مجموعة من الإجراءات من بينها مراجعة وضعية الأطباء وظروف اشتغالهم وإصلاح وضعية ممارسة المهنة من خلال توسيع مجالات التكوين والتدريب بالمستشفيات الجامعية الجديدة أو التي في طور البناء أو الدراسة “.

بالإضافة إلى هذه الإجراءات، توصلت النقابات المهنية إلى اتفاق مع الحكومة لزيادة أجور الأطباء يدخل حيز التنفيذ ابتداءً من شهر يناير 2023، وذلك بعد سنوات من الإضرابات عن العمل والوقفات الاحتجاجية التي قادتها النقابات المهنية.

وكشفت النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام في بلاغ لها قبل شهرين، عن أن الزيادة في الأجر بلغت بالنسبة للأطباء المرتبين في الدرجة الأولى 3967 درهم، وهو ما يعني أن راتبهم الإجمالي سيصبح 12804 درهم مقابل 8836 درهم حاليا. وبالنسبة للأطباء من الدرجة الرئيسية أوضح نفس المصدر، أن راتبهم ارتفع ليصل 16255 درهم، شهريا، وذلك بعد زيادة قدرها 3825 درهم، أما عن أصحاب الدرجات الاستثنائية فقد وصل مرتبهم 18837 درهم بعد زيادة تقدر بـ 3805 درهم مقابل 15068 درهم. فيما يخص الأطباء المصنفين خارج السلم، فبحسب المعطيات الواردة في البلاغ، فقد ارتفع راتبهم الشهري ليصل إلى 22400 درهم بعد زيادة قدرها 3604 درهم.

خصاص حاد 

تقرير مجلس حقوق الإنسان لم يكن الأول من نوعه، فقط سبق أن صدرت عدد من التقارير منها تقرير برلماني للجنة الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية سنة 2021، حيث اعتبر أن القطاع الصحي يعاني من غياب نظام جذاب وتحفيزي للرأسمال البشري للقطاع الصحي العمومي لتجاوز نقص الموارد البشرية في القطاع، موضحا أن الموارد البشرية تواجه في القطاع الصحي خصاصا حادا وتباينا على مستوى توزيع الموارد البشرية بين المجالين الحضري والقروي، إذ يصل عدد الأطباء بالمجال الحضري 7980 بينما عدد الأطباء بالمجال القروي لا يتجاوز 1041 طبيبا، وهو ما يؤكد ضعف الاستثمار البشري الخاص بالمنظومة الصحية كأحد التحديات التي تطرحها الظرفية الراهنة وفقا للتقرير.

وحسب ما جاء في التقرير فإن عدد الأطباء الذين غادروا المغرب سنة 2018 بلغ 603 طبيبا، وهو العدد الذي يشكل نسبة 30 في المائة من عدد خريجي كليات الطب والصيدلة للسنة نفسها، الشيء الذي يؤدي إلى وجود خصاص حاد في عدد الأطر الطبية وشبه الطبية في المغرب، ويوضح التقرير أن أسباب ظاهرة الهجرة تعود إلى عدة عوامل من بينها غياب تحفيزات وعدم تشجيع الأطباء على العمل في القطاع العمومي وفي المناطق والقرى النائية.

ولتجاوز النقص الحاد في الأطر الصحية، اقترحت اللجنة مجموعة من التدابير الرامية لاستقطاب الأطقم الطبية وتحفيزهم على الاشتغال داخل الوطن، مع توزيعهم بشكل عادل بين كافة جهات المملكة، وذلك من خلال تطوير منظومة الوظيفة العمومية الصحية وجعلها محفزة وجذّابة ماديا ومعنويا للأطر الطبية وشبه الطبية، مع بحث إمكانية التوظيف قبل الحصول على شهادة الدكتوراه، وتنويع الخبرات في القطاع الصحي.

كما اقترحت اللجنة استكمال إحداث كليات الطب ومستشفيات جامعية ومعاهد معتمدة للمهن شبه الطبية والبيوطبية والإدارة والتدبير الصحي والاقتصاد الصحي بجميع جهات المملكة.

كما اعتبرت اللجنة أن غياب التحفيزات الضريبية والعقارية على المستوى الجهوي التي تشجع القطاع الخاص على الاستثمار في المجال الصحي خاصة بالمناطق التي تعرف تأطيرا طبيا ضعيفا، وضعف التغطية الصحية الشاملة كما وكيفا، فضلا عن التعريفة المرجعية للخدمات الصحية التي أصبحت متقادمة، هي كلها مظاهر وتجليات للإكراهات التي يعيشها القطاع الصحي بالمغرب والتي تحتاج لتظافر جهود مجموع المتدخلين قصد تجاوزها.

هجرة داخلية

لا تقتصر هجرة الأطباء المغاربة على الخارج بل إن المئات منهم يرفضون الذهاب للعمل في عدد من جهات المملكة خصوصا منها البعيدة عن المركز والتي تعرف تفاوتا كبيرا على مستوى البنيات التحتية والمرافق والشبكة الطرقية مقارنة مع باقي الجهات، وفي هذا الشأن يقول الطبيب الاختصاصي بمستشفى مولاي علي الشريف بالراشدية محمد زيزي في حديثه لـ”هوامش” إنه “بالإضافة إلى التفاوتات في البنيات التحتية هناك توزيع غير عادل للأطر الصحية سواء من الأطباء، الممرضين أو باقي الأطر الصحة بين جهات المملكة”، موضحا أنه ” أكثر من نصف الأطباء يشتغلون في محور الدار البيضاء الرباط القنيطرة، و ثلثين من الأطر الصحية يتمركزون في أربع جهات فقط، بينما يتوزع الثلث الأخير على باقي الجهات  الثمانية”.

ووفقا لزيزي فإن هذا التوزيع الغير عادل للأطر الطبية على جهات المملكة، “يؤثر على نوعية وجودة الخدمات الصحية وعلى ولوج المريض للاستشارات الطبية الأولية ويؤثر حتى على مردودية الأطباء وعلى نفسيتهم لأنهم يعيشون في عطالة”، ضاربا المثل بجهة درعة تافيلات قائلا “في منطقة درعة تافيلات حيث أشغل نجد أن المواطنين يستفيدون من 0.3 من الاستشارات للفرد سنويا، أي استشارة واحدة كل أربعين شهرا، في حين في جهة فاس مكناس نجد النسبة تصل إلى 0.9 من الاستشارات لكل فرد سنويا، بينما المعدل الوطني يصل إلى 0.6 استشارة للفرد”، موضحا أن “مواطن يرى الطبيب مرة واحدة كل أربعين شهرا في هذه الجهة ويمكن أن يمرض ولا يستطيع الولوج للعلاج أو  يواجه طول أمد المواعيد أو ضعف العرض الصحي سواء في القطاع العام أو الخاص”.

ظروف الاشتغال والنزيف الداخلي الذي يعيشه القطاع دفع أطباء القطاع العام لتقديم استقالاتهم، وفقا لتصريحات زيزي، مردفا أن “عدد من الأطباء أقدموا على ترك الوظيفة العمومية رغم تبعياتها المادية، بحيث أن هناك أطباء يكونون قد أنهو 8 سنوات من العمل في القطاع العام محددة في قانون الوظيفة العمومية لكن ترفض استقالاتهم بحكم الخصاص المهول في القطاع وضرورة المصلحة، مما يضطرهم للتخلي عن الوظيفة العمومية”.

 لكن الغريب يقول المتحدث ذاته “أن أطباء متخصصين حديثي العهد بالتوظيف، يعملون سنة إلى سنتين في القطاع العام بعدها يلجؤون إلى ترك الوظيفة العمومية رغم المستحقات الكبيرة التي يجب عليهم دفعها للدولة”. 

دوافع الهجرة

اعتبر زيزي أن “قرار الهجرة لديه علاقة وطيدة بظروف العمل، بحيث أن هناك أطباء يهاجرون لإكمال تكوينهم والاستفادة من البحث العلمي المتطور، إذ أن البعض يشعر بالاغتراب العلمي داخل وطنه، فضلا عن هزالة وضعف الأجور إذا قارنها بالسنوات التي استثمرها الطبيب في دراسته”، موضحا أن “الطبيب لكي يحصل على دبلوم الطب العام يجب أن يدرس من 7 إلى 8 سنوات وبعدها  يقضي بين 4 إلى 5 سنوات في التخصص حسب هل تخصصه طبي أم جراحي، “، مشيرا إلى أن “أي إنسان يسعى للعمل وإنجاح مساره المهني لكن أيضا يسعى لتوفير ظروف عيش أفضل له ولأسرته وتحقيق الأمن الأسري”.

وأضاف “المغربي حين يجد الظروف الملائمة للعمل والعيش لا يغادر بلده ولا يقرر المغادرة إلا عندما يحس بالاحتقار”، وأضاف ” اصطدام الطبيب بواقع مرير بسبب ضعف التجهيزات وقلة الأدوية وفي بعض الأحيان غيابها فضلا عن غياب مكاتب للعمل يزيد من إحساسه بالإحباط”، مسترسلا ” الطبيب يشعر بالعجز عندما يجد نفسه أمام مريض يبيع ممتلكاته للعلاج، لكن هذا المواطن يصطدم بطول المواعيد وعدم إرشاده للعلاج الصحيح بسبب ضعف التجهيزات فيضطر إلى إرسالها إلى جهة أخرى توجد فيها مستشفيات جامعية، في حين أن هذا المواطن يعتقد أنه عندما يصل إلى الطبيب فقد وصل إلى نهاية السباق، فإذا به يبدأ سباقا أشد وأصعب”.

وزاد “هذه المواجهة المباشرة بين المواطن والطبيب تعرض هذا الأخير في بعض الأحيان إلى اعتداءات جسدية وللعنف اللفظي والسب والشتم من طرف المرضى وأسرهم، وهذا ما يعتبره الطبيب احتقارا وإهانة له، بحيث أنه في الدول المتقدمة يتم توفير الحماية للأطر الطبية وتقديم لهم تحفيزات مادية ومعنوية”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram