الرئيسية

دور الشباب في المناطق المهمشة.. “يا ليت الزمان يعود يوما”

"تعتبر دار الشباب مؤسسة عمومية تربوية ثقافية واجتماعية وفضاءَ خصبا لممارسة أنشطة مختلفة ومتنوعة: كالمسرح، الموسيقى، الرقص، السينما، الفنون التشكيلية والرياضة. إلى جانب كونها فضاءَ للتكوين والتعلم، بحيث توفر للشباب خدمات من شأنها المساهمة في تحسين تحصيلهم المعرفي والمهني، من خلال دروس في المعلوميات  واللغات الأجنبية فضلا عن دروس في الدعم في مختلف المواد الدراسية "، هذه هي الديباجة التي نقرأها على واجهة البوابة الرسمية لقطاع الشباب التابع لوزارة الشباب والثقافة والتواصل.

هذه البوابة التي تُسهب في الحديث عن أهمية الدور المفترض أن تقوم به هذه المؤسسات “لتمكن الشباب من فرص الالتقاء، والعيش والتأقلم داخل المجموعة بالإضافة إلى الانفتاح على الآخر وتعلم قيم التسامح، حيث تعد بمثابة مدرسة للتفاعل الاجتماعي والتعود على تحمل المسؤولية والممارسة الديمقراطية من خلال تنظيمها الإداري وطريقة تسييرها الموكولة إلى مجلس دار الشباب الذي ينتخب أعضاؤه بطريقة ديمقراطية في جمعيات تعمل داخل الدار”.

إعلان النوايا الذي نقرأه على الموقع الرسمي للوزارة، ونسمعه في تصريحات الوزير المكلف بالقطاع شيء وواقع الأمر شيء آخر مختلف، هذا ما يتبين من خلال تتبع تجربة “دار الشباب” بالجماعة الترابية لكيكو بإقليم بولمان، بعد إغلاق دام أكثر من سنتين “في إطار الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة للحد من انتشار فيروس كورونا” وتم تخصيص بنايتها لعملية التلقيح، ولا زال الوضع على ما هو عليه، إذ رغم إعادة فتح دور الشباب في كل مناطق البلاد، لازالت دار الشباب بكيكو مغلقة، بل أصبحت مجرد بناية آيلة للسقوط، كما حصل مع نسختها الأولى، في غياب مدير مشرف على تسييرها، وفي غياب مؤطرين تربويين.

دار الشباب كيكو “يا ليت الزمان يعود”

في أواسط التسعينات من القرن الماضي، شهدت دار الشباب كيكو على سبيل المثال دينامية جمعوية وثقافية مهمة، خصوصا مع مديرَيِن تعاقبا على تسييرها (حميد وعبد الواحد)، وتحت إشراف مؤطرين تربويين، أعطوا الكثير لأطفال وشباب البلدة، وعلى رأسهم الفقيد الكبير الأستاذ محمد الطاهيري. انهارت البناية القديمة لدار الشباب، بعد فترة إغلاق طويلة، قبل أن يتم بناء بناية جديدة، سنة 2013، ليبدأ مشوار جديد.

محمد أخوي، منشط تربوي وفاعل جمعوي، يتذكر بحسرة ما كان يحتضنه مقر دار الشباب (الجديد)، من أنشطة جمعوية وثقافية وتربوية، أنشطة في مجملها موجهة للأطفال الشباب، في ظل إدارة كانت تتولاها مديرة سابقة، منفتحة على الجمعيات والمؤطرين التربويين، حيث كانت تنظم أنشطة يومية طيلة أيام العمل في الأسبوع، قبل أن يتم تنقيلها، ويتعاقب على إدارة المؤسسة مشرفون آخرون، لينحصر تواجد الأطفال والشباب، نتيجة لتعقيدات إدارية أساسا، إذ كان يطلب من الجمعيات التي ترغب في استغلال الفضاء تقديم برنامج سنوي، وهو ما لم يكن متاحا للجميع بشكل دائم.

أخوي أوضح في تصريح لهوامش أن “دار الشباب” بكيكو لا تتوفر على مؤهلات تسمح باعتبارها مؤسسة عمومية، مقارنة مع مؤسسات مجاورة لها (دار الفتاة، مقر القيادة …)، إذ أن بناية المؤسسة وتصميمها لا يتلاءم مع الظروف المناخية للمنطقة، ولا المهام المطلوبة منها، إذ تغيب ملاعب وفضاءات لاحتضان أنشطة مختلفة، متحفظا على تسميتها ب”دار الشباب” كما هو متعارف عليها.

كما سجل أخوي أنه على رغم عدم توفر المؤسسة على أدوات الاشتغال اللازمة، سواء منها المخصصة للأطفال أو الشباب، حاول النشطاء الجمعويين منذ سنة 2013، التعاون مع مديرة المؤسسة السابقة لتجاوز كل العراقيل، غير أنه ما أن بدأ تساقط الأمطار تبين أن قاعة العروض، وهي أكبر قاعة في المؤسسة، تعرف تسربات لمياه الأمطار، وهو ما كان يضطر المشتغلين فيها إلى العمل على إخراج المياه بشكل مستمر وتجفيف الأرضية.

بعد انتقال المديرة، أسند تسيير المؤسسة لسيدة أخرى من التعاون النسبي تبين للمؤطرين التربويين المتطوعين أنها لا تتوفر على تكوين يؤهلها لتقديم إضافة نوعية لهم، بعد ذلك عرفت المؤسسة مدا وجزرا، ما بين تشغيلها وإغلاقها، قبل تأتي فترة الوباء لتغلق أبوابها في وجه الشباب والأطفال والجمعيات إلى يومنا هذا، وتتحول إلى ملحقة للمركز الصحي.

أخوي يتحسر على محدودية دور المنتخبين الجدد الذين لوحوا بصفة فاعل جمعوي في سيرهم الذاتية التي استعملوها طيلة فترة دعايتهم الانتخابية، داعيا إياهم لتفعيل ما أعلنوه من خلال هذه الصفة، ووضع أيديهم في أيدي الفاعلين الجمعويين لتوفير فضاءات الاشتغال.

غياب دار الثقافة والمكتبات العمومية يجعل التعرف على الكتاب مؤجلا

منطقة كيكو لا تتوفر على دار ثقافة، ولا على مكتبة عمومية، وهو ما يجعل الانفتاح على ثقافة القراءة والاحتكاك بالكتاب، أمرا مؤجلا ومشروطا بخروجهم منها، سواء للإلتحاق بالجامعة، يجعل مبدأ تكافئ الفرص غائبا بالنسبة لأأبناء البلدة والدواوير التابعة لها.

رشيد الطاهيري أستاذ الفلسفة بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، وابن المنطقة، في تصريح ل”هوامش” تأسف على واقع كون المؤسسات ذا البعد الثقافي والتربوي لا تلقى الاهتمام اللازم من قبل المسؤولين محليا وإقليميا ووطنيا. وأرجع الطاهيري الأمر إلى طبيعة الممارسين للسياسة بالمنطقة، وارتباط أغلبهم بالقطاع الفلاحي أساسا، يجعل كل اهتمامهم مركزا على هذا القطاع، وأكد ذات المتحدث أنه على مدار تاريخ المنطقة لم يستطع أي مسؤول سياسي أن يضع المجال الثقافي في برنامجه الانتخابي، وهو ما جعل العمل الثقافي مجرد حلم بالنسبة لأبناء المنطقة.

غياب المرافق الثقافية الشبابية باعتبارها “كمكمل غذائي للمدرسة العمومية”، يجعل مجال تفكير وطموح أبناء المنطقة محصورا، إذ لا يعقل في غياب الأساسيات أن تتم المطالبة بإدخال الفنون الجميلة إلى المنطقة، أو بناء معاهد للموسيقى والرسم وما إلى ذلك من مجالات تسمح بتوسيع مجال إدراك المرء واهتماماته.

وختم الطاهيري بالقول، أن “المسؤولين السياسيين بالمنطقة يهتمون بالفلاحة بما هي غذاء للبطن، ولا يهتمون بالثقافة والفنون بما هي غذاء للعقل”، وهو ما يمنع خلق التوازن اللازم من أجل توفير شروط تنشئة سليمة للأجيال المقبلة.

انعدام ملاعب القرب يدفع الشباب لقطع 30 كلم قصد ممارسة هوايتهم

جماعة كيكو، على رغم شساعتها، مقارنة مع المناطق المتاخمة لها، بولمان، إيفران وتمحضيت، وعلى رغم الكثافة السكانية الهائلة التي تتميز بها، لا تتوفر بعد على أي ملعب قرب، وهو ما يدفع عددا من الشباب إلى قطع مسافة 29 كلم، في اتجاه منطقة تيمحضيت قصد ممارسة هوايتهم.

سعيد كوكو، شاب من البلدة يحكي لهوامش، أن عدة فرق من البلدة تضطر إلى التنقل إلى منطقة تيمحضيت البعيدة عن مركز كيكو بحوالي 29 كلم، قصد ممارسة كرة القدم في ملعب يتوفر على الحد الأدنى لمقومات الممارسة الرياضية، وذلك ما يفرض عليهم مصاريف إضافية للتنقل وكراء الملعب، آملين أن يجدوا الملعب شاغرا عند وصولهم.

كوكو دعا المسؤولين محليا وإقليميا إلى بذل كل الجهود الممكنة لتوفير ملاعب قرب بالمنطقة، تفتح المجال لأبنائها لتفجير طاقاتهم محليا، دون أن يضطروا إلى التنقل لمناطق أخرى. عبد الله أجيال بدوره دعا إلى الالتفات إلى حاجة أبناء المنطقة ممن لا يتوفرون على إمكانية التنقل إلى تمحضيت أو غيرها من المناطق المجاورة لمجرد ممارسة هوايتهم ومداعبة الكرة.

محمد أرطيب، أحد شباب المنطقة، لفت الإنتباه إلى أن العديد من الشباب والأطفال بمركز كيكو يجدون أنفسهم مضطرين إلى ممارسة كرة القدم في الأزقة والشوارع، خصوصا ليلا، باحثين عن عمود كهربائي، وهو ما يهدد حياتهم في كل حين.

الفريق الأول للجماعة مهدد بالإنسحاب من العصبة لغياب ملعب محلي وغياب دعم

يعتبر فريق اتحاد كيكو لكرة القدم من الفرق النشيطة في إقليم بولمان عموما، إذ تأسس منذ موسم 2000/2001، كانت أنشطته تقتصر في البداية على المستوى المحلي، من خلال تنظيم دوريات محلية، والمشاركة في مباريات ودية مع فرق داخل الإقليم وخارجه، لينخرط بعدها في بطولة عشبة الوسط الشمالي منذ سنة 2014، ونافس على المراتب الأولى، غير أنه لم يتمكن من الصعود إلى القسم الموالي، رغم المجهودات والتضحيات المبدولة.

عمر الغزاف، اللاعب السابق في الفريق، ونائب رئيس جمعية اتحاد كيكو، اعتبر أن مجرد استمرار الفريق في ظل ضعف الإمكانيات وغياب ملعب محلي يتوفر على أبسط شروط الممارسة الرياضية واحتضان ما بين 20 إلى 30 شاب في كل موسم هو في حد ذاته إنجاز ومكسب للمنطقة، حيث أن الملعب المتوفر في منطقة كيكو يستغل أيام الأحاد كسوق أسبوعي للماشية، وأرضيته غير صالحة، و”حفرتين” تدخلان في الملك الخاص، تستغلان للتداريب، مما كان يدفع الفريق إلى استقبال منافسيه في ملعب مدينة بولمان، التي تبعد بحوالي 25 كلم.

لحروش ختم تصريحه ل”هوامش” بالقول أن الجمعية استطاعت أن تقاوم وتضمن استمرارية الفريق، رغم ضعف الإمكانيات وغياب الملعب، في ظل وجود دعم كانت تتوصل به من المجالس الترابية إقليميا وجهويا، في إطار الدعم المخصص للجمعيات عموما، غير أنه خلال السنتين الأخيرتين انقطع هذا المورد، قد يجد الفريق نفسه، على غرار فرق أخرى في الإقليم إلى إعلان انسحابه من بطولة العصبة.

ودعا الحروش كافة المسؤولين في المجالس الترابية والمشرفين على القطاع الرياضي إقليميا ووطنيا، العمل على توفير موارد لإنقاذ الفريق، بما هو متنفس للعديد من شباب المنطقة، وكذا تفعيل مشروع ملاعب القرب والقاعة متعددة الرياضات، وفتح المجال للمواهب العديدة المتوفرة في المنطقة لتعبر عن ذاتها وتمارس هوايتها، وتوفير نقل رياضي على غرار المناطق المجاورة.

الجماعة الترابية توفر عقارا لملاعب القرب في انتظار إنزال المشروع

منذ أواخر سنة 2020 تم الإعلان عن مشروع بناء 3 ملاعب قرب بمنطقة كيكو، على غرار مختلف مناطق الإقليم، على أن يتم تمويل المشروع سيتم بواسطة قرض من صندوق التجهيز الجماعي، وتحت إشراف المجلس الإقليمي، في حين تقرر أن تتولى وزارة الثقافة والشباب والرياضة (حسب تسميتها آنذاك) أداء اقساط القرض، غير أن المشروع ظل يراوح المكان.

وفي إطار برنامج التنمية الجهوية، تم أواسط شهر يونيو من سنة 2021، عقد اجتماع بالعمالة بحضور ممثلين عن الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع والمدير الإقليمي للشباب والرياضة ورؤساء الجماعات المعنية حول موضوع إنجاز  5  قاعات متعددة الرياضات بكل من كيكو بولمان اوطاط الحاج تانديت وايموزار مرموشة و5 ملاعب للقرب بكل من كيكو ميسور اوطاط الحاج بولمان وسكورة وكذا نوادي نسوية ، كما تمت المصادقة على مشاريع بناء 48 ملعب للقرب الممولة من طرف وزارة الشباب والرياضة بواسطة قرض من صندوق التجهيز الجماعي عن طريق المجلس الإقليمي لبولمان، غير أن الأمور ظلت حبرا على ورق.

محمد العيادي، نائب رئيس المجلس الترابي لكيكو، أكد في تصريح ل”هوامش”، أن المجلس الترابي السابق كان قد خصص العقار اللازم لبناء هذه الملاعب”، غير أنها لم تخرج إلى حيز الوجود، ما دفع المجلس الترابي الحالي إلى القيام بمراسلات إلى الجهات المعنية قصد تفعيل المشروع.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram