هاجر الريسوني
وفي الوقت الذي يتضمن القانون الجنائي المغربي لعدد من المواد تجرم العلاقات الرضائية، والإفطار العلني، والمثلية الجنسية والإجهاض، فقد سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وهو مؤسسة دستورية أن أوصى في مذكرة مقدمة للبرلمان بشأن تعديل القانون الجنائي الذي لايزال في طور المراجعة، برفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية، وبإلغاء تجريم الأكل أو الشرب في الأماكن العامة خلال ساعات الصيام في شهر رمضان فضلا عن توفير مجال أوسع لممارسة الحريات الدينية بما يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية التي صادق المغرب عليها.
إن تردد الدولة ومؤسساتها في حسم النقاش لصالح للحريات الفردية وفقا لالتزاماتها الدولية والدعوات الداخلية لرفع التجريم عنها، ترجعه بعض الآراء إلى “أنها لا تزال مترنحة بين الحداثة والتقليد، خصوصا وأن النخب السياسية تتصف بالجبن والتردد”، إذ لم يدعم مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان سوى حزب التقدم والاشتراكية وأحزاب اليسار الصغيرة ذات التمثيلية الضعيفة في البرلمان.
وقد عبر آنذاك مصطفى الرميد وزير حقوق الإنسان والحريات سابقا عن رفضه لمذكرة المجلس والتي تم تقديمها في الوقت الذي كان لازال النقاش حول الإجهاض قائما سنة 2019، وقال “إن هذه الحريات ينبغي ألا تكون مطلقة بل تخضع لمنطق القيم السائدة في المجتمع”، معتبرا أنه “يجب احترام منظومة القيم، وحين يتطور المجتمع يمكن أن يقبل الإجهاض، لكن هذا غير ممكن الآن”. وأضاف أن الملك محمد السادس قال في أحد خطاباته ” لا يمكن أن يحل ما حرّم الله ولا أن يحرّم ما أحل الله، وأي اجتهاد في هذا الموضوع يمكن أن يهدم الثوابت التي بنيت عليها الدولة”.
وبينما يعتبر المدافعون عن تجريم ممارسة الحريات الفردية أن إلغاء هذه الفصول التي يتضمنها القانون الجنائي يتناقض مع الدين الإسلامي، إلا أن هذه المواد تم وضعها لأول مرة من طرف المارشال ليوطي أول مقيم عام فرنسي بالمغرب في عهد الاستعمار، بهدف التقرب من المغاربة ولكي “لا يشعروا أنهم محكومون من طرف مستعمر أجنبي”، إذ منع المقيم العام الفرنسي المغاربة من دخول الحانات، وجرم الإفطار العلني وكذا السكر العلني، ولازالت هذه المواد موجودة إلى يومنا هذا دون أن يتم إدخال تعديلات عليها بما يتناسب مع تطور المجتمع المغربي.
تعتمد دول كثيرة، في وضعها للقوانين، على القيم السائدة في المجتمع والمبادئ المتعارف عليها دوليا، والتي تحترم حقوق الإنسان، في وقت لازال فيه المغرب متشبث بقوانين استعمارية لا تتمشى مع التطور الذي يشهده المجتمع المغربي.
وفي هذا الشأن يعتبر يونس بنخديم ناشط حقوقي ومن بين الشباب الذين تم توقيفهم أن “المغاربة متسامحون مع الاختلاف بشكل كبير، بحيث أنه شعب طيب ومتسامح ومتقبل للاختلاف الديني القبلي العرقي والجنسي إلا أقلية ممن مازالوا متشبثين بأمجاد لم يعشها أجداد أجدادهم.”
وأضاف بنخديم في تصريحه لـ”هوامش أنفو” أنه “وجب على الدولة أن تأخذ مساحة من الحريات الفردية ليمارسها المواطنات و المواطنون بما يتماشى مع طبيعتهم وهويتهم الفردية والجماعية”، مشيرا إلى أنه “يجب أن تتدخل الدولة لاستثمار شتى أشكال الاختلاف المكونة والمساهمة في صياغة الهوية المغربية بما هو خير للبلاد والعباد”.
في السياق ذاته يرى نوفل بعمري في مقال له نشره تفاعلا مع واقعة التوقيف أنه “لا يمكن للدولة، أن تخضع لغالبية من المجتمع تعتبر أن شعورها الديني يهتز لأنها ترى شخص آخر يفطر في رمضان أو تكون تحت تأثيرهم فقط لأنهم “الأغلبية”، بل عليها أن تحمي الحقوق والحريات الخاصة وأن تكفل لهم حقهم في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي لأننا لسنا في دولة دينية بل في دولة مدنية”.
وزاد “إمارة المؤمنين تخدم الجميع وتحمي الجميع، تحمي المسلم واليهودي والمسيحي وتحمي كذلك حق المغاربة في عدم الإيمان، َولم تكن يوما إمارة المؤمنين رجعية أو أصولية بل ومع العهد الجديد قدمت وخطت خطوات شجاعة في حماية الأقليات وفي إبعاد الدين عن أي تجادب سياسي، بل جعلت الدين الإسلامي هو الدين الرسمي للدولة و ليس للمجتمع، ودافعت على الحقوق والحريات وشجعت على تحديث التشريع وأنسنته” على حد تعبيره.
لا يطالب الحقوقيين فقط بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي، الذي يجرم الإفطار العلني ويعاقب كل من يجهر بالإفطار في مكان عمومي دون عذر شرعي، بل سبق للفقيه المقاصدي أحمد الريسوني أن دعا في سنة 2016 إلى إلغاء هذا الفصل قائلا إن “القانون الجنائي المغربي لا ينبغي أن يتدخل في الصوم، لأن من يفطر في الشارع يفترض فيه أنه مريض وأنه مسافر، وبالتالي لا ضرورة لاعتقاله وإحالته على النيابة العامة”، معتبرًا أن “المجتمع هو الموكل إليه أن يمنع الناس من الإفطار العلني وليس القانون، وأن الأصل في الدين هو الالتزام الذاتي”، مشيرًا إلى أن “الحاكم لا يتدخل في العبادات طبقا للمذهب المالكي”.
في الشأن ذاته قال بعمري إنه “بالعودة للنص الديني الذي يتم الاختباء وراءه لا وجود فيه لأي حد على المفطر في رمضان، بل عليه أن يخرج الكفارة أو يطعم ستين مسكين، و بموجب النص القرآني فالصوم لله وهو من يجازي عليه، بمعنى أن الجزاء أوكله الله سبحانه تعالى إليه وجعل الصوم له وليس للمجتمع و لا للدولة و لم يجعل إيقاع العقاب أو الجزاء من اختصاص رجال الدين أو رجال الأمن أو السلطة، بل جعله خاص به”.
ويرى المتحدث ذاته أن “الإشكال ليس في رجال الأمن الذين انتقلوا لإيقاف هؤلاء الأشخاص، ولا في النيابة العامة التي أمرت بإيقافهم بل في النص الذي يجرم الإفطار العلني”، مشددا على أن “القانون الجنائي يحتاج للتعديل و لتغييره ليكون قانونا جنائيا عادلا، يحمي الحقوق والحريات لا يجهضها و يضيق عليها و يكون أداة في خدمة التضييق على الأفراد”.