وإن كان المغرب قد وضع عدد من الاستراتيجيات لتجنب هذا السيناريو منذ سنوات خلت، إلا أن الجفاف الذي تعانيه المملكة خلال هذه السنة والذي لم تشهد مثله منذ 40 سنة، كشف كل الأوراق، وبين أن أغلب المشاريع التي وضعت عرفت تعثرا أهمها مشاريع بناء السدود، إذ كان من المتوقع أن يتم الانتهاء من إنجاز 30 سدا في سنة 2020، وفقا للاستراتيجية الوطنية لتطوير قطاع الماء التي وضعت سنة 2009، إلا أنه لم ينجز منه لحدود الآن سوى 9 سدود.
وزير التجهيز والماء نزار بركة خلال اجتماع عقدته لجنة البنايات الأساسية والطاقة والمعادن بمجلس النواب قبل شهر ونيف، قال إن “نصيب الفرد من الماء في المغرب لا يتجاوز 600 متر مكعب سنويا، بينما يقدر المعدل العالمي بـ1000 متر مكعب للفرد، فيما لا يتجاوز نصيب الفرد من الماء في بعض المناطق 300 متر مكعب”.
كما صرح بركة في يوم دراسي يوم 12 أبريل الجاري في مجلس النواب بأن “حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية 11 أبريل 2022 بلغ حوالي 5,52 مليار متر مكعب، أي ما يعادل 34,2 بالمائة كنسبة ملء إجمالي، مقابل 50,82 بالمائة سجلت في نفس الفترة من السنة الماضية”، مما يعني أن المغرب فقد 16.62 في المائة من مخزونه المائي في ظرف سنة، مشيرا إلى أن المغرب سيفقد 30 في المائة من الواردات المائية في أفق 2050.
ما يعيشه المغرب اليوم من ندرة المياه سبق وأن نبه إليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في دراسة له بحيث اعتبر أنه “علـى الرغـم مـن تناقص الموارد المائية المطـرد، فـإنه يتم استهلاكها بشكل مفرط، لاسيما الميـاه الجوفية، دون تقيد صـارم بما يقتضيه القانون للاستغلال المـوارد المائيـة، فضـلا عـن الضعـف المسـجل علـى مسـتوى فعاليـة آليــات المراقبــة، مردفا أن “هناك بعض الدراسات الدولية تشير إلى أن التغير المناخي يمكن أن يؤدي إلى فقدان 80 في المائة من الموارد المائية المتوفرة في بلادنا خلال 25 سنة المقبلة”.
المجلس اعتبر أنه “في الوقت الذي شهدت فيه بعــض المــدن المغربيــة فــي السنوات الأخيــرة احتجاجات للساكنة المحليـة بسـبب تواتر ظاهـرة العطـش وصعوبة الولوج إلـى المـاء الشـروب، مـدن أخـرى تستمر في استخدام المياه الصالحة للشرب لسقي المسـاحات الخضراء وبعـض المشـاريع السـياحية، ناهيـك عـن اسـتمرار بعـض الزراعـات التـي تسـتهلك الكثيـر مـن المـاء”.
في الوقت الذي اتخذت فيه الحكومة التهديد التي تعيشه المملكة في أمنها المائي على محمل الجد وشرعت في البحث عن حلول مستعجلة لتوفير الماء للمغاربة خصوصا الذين يعيشون فالمناطق شبه صحراوية والصحراوية، يؤكد الخبير في التشريع البيئي والتغيرات المناخية زين العابدين الحسيني أن “الأزمة موجودة في بلادنا منذ مدة طويلة”، موضحا أنه ” في أواخر سنة 2012 خلال مناقشة الميزانية السنوية للمندوبية السامية للمياه والغابات في البرلمان على هامش مناقشة قانون المالية، قدم عرض من المندوبية وهي جهة رسمية يفيد أن المغرب دخل في مرحلة الإجهاد المائي، مما يعني أنه مقبل على أزمات على مستوى الماء شروب و الاستعمالات المائية”، مشيرا إلى أنه “منذ ذلك التاريخ والمتخصصون يحاولون لفت انتباه المسؤولين أنه لابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات استباقية حتى لا نقع في هذا المشكل لكن تحذيراتنا لم تؤخذ محمل الجد”.
وأضاف الحسيني في تصريح ل”هوامش أنفو” أنه في العشرية الأخيرة كان تواتر سنوات الجفاف تأتي عادة سنة على أربع سنوات، بينما الآن أصبح كل سنتين هناك سنة جفاف، بمعنى أن المساحة تقلصت، وأصبحت سنوات الجفاف بنيوية وأصبحت مواجهتها أصعب مما كانت”.
ويرى الخبير البيئي أن “الوضع المائي مقلق، بحيث أن حصة الفرد من المياه تتناقص سنويا بسبب تزايد السكان والهجرة والحاجات المتزايدة والاستهلاك المفرط للماء، وأيضا بسبب التغير المناخي وتراجع كمية التساقطات”.
بينما تعول الحكومة على تحلية مياه البحر لحل مشكلة الإجهاد المائي الذي تعانيه المملكة، يعتبر الحسيني أن “تحلية مياه البحر حل جزئي والمغرب ذهب في هذا الاتجاه بالفعل، فحين أعطى الانطلاقة مثلا لمشروع الحسيمة منار المتوسط كان مشروع تحلية مياه البحر من بين برامجها وقد أوشكت على انتهاء في كل من الحسيمة والناظور”، مضيفا “حين نقول إن هناك محطات للتحلية في أكثر منطقة تعرف التساقطات في المغرب فهذا يعني أنه هناك أزمة”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “بنك الدولي سنة 2015 قال للمغرب أنه يجب عليه التفكير جديا في استبدال زراعة الحبوب لأنها لم تعد صالحة في ظل التغيرات المناخية، بأخرى تتمشى مع هذه التغيرات”.
ورغم أن المغرب يعرف ندرة التساقطات المطرية إلا أنه حسب الخبير البيئي الاستمرار في بناء السدود ضروري لأن التغيرات المناخية أفرزت ظاهرة تسمى الظواهر القصوى، من مظاهرها أن الحرارة المفرطة تقابلها الفيضانات”، مفسرا أنه “الأمطار قد لا تهطل لشهرين لكن تأتي في يومين تتسبب في فيضانات و80 في المائة منها تذهب للبحر، لذلك يجب أن نرفع من بنية السدود حتى تستقبل الأمطار وتخزنها”.
ويقترح الحسيني للحد من الأزمة تغيير نمط حياتنا بشكل جدري، فضلا عن ترشيد استخدام المياه في كل من الطبخ والاستحمام والصناعة والزراعة وملئ المسابح والمساحات الخضراء، كما يقترح الاستمرار في تقنية تحلية مياه البحر والحفاظ على المياه السطحية المخزنة في السدود والبحيرات باستخدام تقنيات تقيها من التبخر، فضلا عن المراقبة والردع الصارم والرفع من الموارد البشرية خصوصا العاملة في الشرطة البيئية.
رغم أن الحكومة وضعت برنامجا مستعجلا للحد من أضرار الجفاف ومشاكل ندرة المياه من خلال المخطط الوطني للتزويد بالماء الشروب والسقي (2020-2027) الذي يقضي بتسريع أعمال تزويد المراكز القروية انطلاقا من منظومات مائية مستدامة، وتقوية عمليات استكشاف موارد مائية إضافية، خصوصا عبر إنجاز أثقاب لاستغلال المياه الجوفية، إلى جانب الاقتصاد في استعمال الماء والحد من الهدر، خصوصا بقنوات الجر والتوزيع، إلا أنه يجب البحث عن سبل لمعالجة ندرة المياه بشكل جدري خصوصا وأن المغرب يعد من أضعف دول العالم في الموارد المائية.
وفي هذا الشأن سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن اقترح مجموعة من الإجراءات لتجاوز ندرة المياه، بحيث دعا إلى بلــورة وتنفيــذ اســتراتيجية للتواصــل تهــدف إلــى زيــادة وعــي جميــع المســتخدمين (الجماعــات الترابيــة، الفاعلــون الاقتصاديــون والمواطنــون، إلــخ) بالأهميــة القصــوى التــي يكتســيها اعتمــاد ســلوكيات مراعيــة للبيئــة فــي مــا يتعلــق باســتهلاك الميــاه؛ كما دعا إلى القطــع مــع ممارســة ســقي المســاحات الخضــراء العموميــة ومنتزهــات الترفيــه والمنشــآت الرياضيــة بالمــاء الصالــح للشــرب، والحــرص علــى اللجــوء إلــى اســتخدام الميــاه العادمــة.
من جهة أخرى أكد على تسـريع الاسـتخدام المكثـف للمـوارد المائيـة غيـر التقليديـة، خاصـة مـن خـلال تعميـم تقنيـة تحليـة ميـاه البحـر بالنسـبة للمناطـق السـاحلية وإعـادة اسـتخدام الميـاه العادمـة المعالجة، بالإضافة إلى العمل علــى وضــع شــبكات منفصلــة (بيــن قنــوات تجميــع ميــاه الأمطــار وقنــوات الصــرف الصحــي) علــى الأقــل بالنســبة للتجزئــات العقاريــة الجديــدة، وكــذا العمــل علــى تعميــم محطــات المعالجــة.
أما من الجانب المؤسساتي والتنظيمي يقترح المجلس افتحــاص وصيانــة شــبكات توزيــع الميــاه فــي المــدن بكيفيــة ممنهجــة ودائمــة، وذلــك للحــد مــن تســربات الميــاه، والرفــع مــن مردوديــة تلــك الشــبكات، بمــا يجعلهــا تســتجيب للمعاييــر الدوليــة؛ فضلا عن العمــل تلقائيــا علــى إنجــاز دراســة لتأثيــر المشــاريع الاســتثمارية علــى المــوارد المائيــة وكــذا لنجاعتهــا المائيــة، لاسيما في مجالات الفلاحــة والصناعـة والسـياحة، واعتمـاد مبـدأ اللجـوء إلـى تحكيـم رئيـس الحكومـة فــي هــذا المجــال؛ بالإضافة إلى القيــام بمراجعــة عميقــة للتعرفــة المعمــول بهــا علــى المســتوى الوطنــي والمحلــي لتوفيــر المــاء وخدمــات الصــرف الصحــي ومعالجــة الميــاه العادمــة، مــع إطــلاع العمــوم علــى نتائــج هــذه العمليــة.