الرئيسية

“أوراش” لمحاربة البطالة: برنامج آخر في “مهب الريع”؟

في إطار الجدل الذي رافق تنزيل برنامج فرصة، والانتقادات التي رافقت ميزانيته الرامية إلى "تشجيع المشاريع" ومحاربة البطالة، ما يزال ملف برنامج "أوراش" الذي يهدف إلى خلق فرص الشغل يجرّ معه النقائص والمعيقات ويتهم بأنه دون رؤية ولا فلسفة. نعود في هوامش إلى تفاصيل العقبات التي جعلت من هذا المشروع مجرد "مُسكّنات غير مجدية". 

محمد تغروت

أطلقت الحكومة المغربية، في أوائل السنة الجارية، برنامج “أوراش”، الذي اعتبرت أنه يندرج في إطار تنزيل وعودها والتزاماتها المعلنة في تصريحها الحكومي الذي قدمته في وقت سابق أمام البرلمان، ويهدف هذا البرنامج إلى خلق 250 ألف فرصة شغل، بغلاف مالي يبلغ 2,25 مليار درهم، خلال سنتين. وهو الأمر الذي لا يخلف كثيرا عن الأهداف التي يرمي إليها برنامج “فرصة” الجديد. ورغم اختلاف الآليات والمنهجية، فأوراش وفرصة يهدفان إلى تقليص معدل البطالة المرتفع في البلاد. 

وكان رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قد أوضح في منشور أصدره يوم 12 يناير 2022، أن “برنامج أوراش” هو برنامج مبتكر، يروم مواكبة المقصيين من سوق الشغل، والفئات المتضررة من تداعيات جائحة كوفيد-19، عبر تعزيز قابليتهم للتشغيل وتعزيز حظوظهم في الإدماج المهني. وأكد ذات المنشور أن البرنامج سيتبنى مجموعة من التحفيزات المادية والاجتماعية بالإضافة إلى المواكبة التقنية والتأهيلية، كآليات مواكبة لإنجاح البرنامج ولتوفير مناصب الشغل المرجوة، وذلك من خلال شراكات ترابية بين القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية والسلطات المحلية والجماعات الترابية، بالإضافة إلى جمعيات المجتمع المدني والتعاونيات المحلية، ومقاولات القطاع الخاص، دون اشتراط أي مؤهلات في المستفيدين. 

مكونات البرنامج وأهدافه المعلنة

 منشور رئيس الحكومة أكد أن البرنامج سيتشكل من شقين، وهما أوراش عامة مؤقتة لحوالي 6 أشهر في المتوسط، وتشكل 80 في المائة من المستفيدين من البرنامج ككل، تتوخى إنجاز أشغال وأنشطة ذات طابع مؤقت تندرج في إطار المنفعة العامة والتنمية المستدامة، وشق ثاني هو عبارة عن أوراش لدعم الإدماج المستدام، وتشكل 20 في المائة من المستفيدين من البرنامج ككل، وتهدف إلى تحقيق ثلاث غايات، تتمثل في الاستجابة لخدمات موجهة للمجتمع والأسر والأشخاص (محو الأمية، رعاية المسنين، الأنشطة الرياضية)، دعم القطاعات والمقاولات المتضررة من تداعيات كوفيد 19، ودعم المقاولات الراغبة في تشغيل الفئات المتضررة أو التي تعاني صعوبات في الاندماج المهني.

عيوب ونواقص في “أوراش”

اعتبرت فرق برلمانية أن أوراش، ليس سوى مسكنات غير مجدية، باعتباره مشروعا مقيدا بفترة زمنية محددة، ولا يمكنه الإسهام بفعالية في معالجة إشكالية البطالة وفتح سوق الشغل أمام الشباب بصفة مستمرة، ولا يحمل جديدا في منظومة التشغيل مهما كانت أهميته، ثم إن المدة المخصصة له، وخاصة منها الستة6 أشهر المتعلقة بالأوراش العامة المؤقتة الموجهة إلى 80 في المائة من المستفيدين، لا تختلف في جوهرها عن تجربة “الإنعاش الوطني”، فضلا عن كونه مماثلا لتلك البرامج والمشاريع والمبادرات التي يتم إخراجها من حين لآخر، وتذهب في الأخير إلى الجمعيات المقربة من المنتخبين، لأنه غالبا ما تعطى الأولوية لأصحاب المصالح الانتخابية بعيدا عن مبادئ الشفافية والوضوح والمساواة.

إخلالات وفوضى وريع، إقليم بولمان نموذجا 

في إطار تنزيل برنامج أوراش بإقليم بولمان، كان المجلس الإقليمي، الذي أسند إليه الإشراف على الشق المتعلق بالأوراش العامة المؤقتة، -في حين أسند الشق المتعلق بالأوراش المستدامة لمجلس الجهة- قد أعلن عن طلبات عروض مشاريع موجهة لجمعيات المجتمع المدني والتعاونيات، وحدد في ذات الإعلان معايير الترشيح، المتمثلة أساسا في التوفر على تجربة في مجال الورش المقترح من طرفها، والتوفر على الإمكانيات المادية والبشرية والكفاءات اللازمة لإنجاز الورش، وكذا ألا يقل عمر الجمعية أو التعاونية عن سنتين عند افتتاح الورش.

كما حدد المجلس مشاريع الأوارش المخصصة لكل جماعة، وتلخصت أساسا في صيانة الشبكة الهيدروفلاحية، والمجالات الخضراء ونظافة المدن والمراكز، ثم صيانة وترميم المآثر الدينية، والرقمنة والأرشيف والتسجيل، والدعم التربوي.

غير أنه بعد نشر المجلس الإقليمي للائحة الجمعيات والتعاونيات المنتقاة، تبين أن بعض البنود التي وضعها لم تحترم، فقد أسند ورش “صيانة ونظافة الأحياء والمباني والمجالات الخضراء وهدم المباني الآيلة للسقوط” لجمعية مجال اشتغالها “التصوير الفوتوغرافي، كما أسند ورش “ترميم وتهيئة السواقي” لجمعية آباء وأولياء وأمهات التلاميذ، التي من المفترض أن تعمل داخل المؤسسة التعليمية التي تنتمي إليها، وأسند ورش “صيانة وبناء أسوار المقابر لجمعية مهتمة بالرياضة”. 

إقليم بولمان يتكون من أربعة مراكز و18 جماعة، وتم تقسيم 50 ورشا على 36 جمعية، إذ حصلت بعض الخروقات، وتم انتقاء جمعية واحدة للإشراف على 3 أوراش منها ورشان خارج المجال الجغرافي الذي تنتمي إليه، في حين استفادة 8 جمعيات من أصل 36 من فرصة الإشراف على ورشين لكل منها. 

تغطية إعلامية ضعيفة جدا مقارنة مع برنامج “فرصة”

قلة عدد الجمعيات المتقدمة بمقترحات مشاريع أوراش أرجعه البعض إلى عدم التوصل بالمعلومة في الوقت المناسب لإعداد الملفات المطلوبة، إذ أن برنامج أوراش، على الرغم من أنه تم إطلاقه قبل برنامج فرصة غير أنه لم يحض بما يلزم من المواكبة الإعلامية والإشهارية. 

بجماعة كيكو على سبيل المثال، تم الاكتفاء بنشر الإعلان عن طلب العروض المتعلق بالبرنامج في كل من مقري الجماعة الترابية والقيادة، وعلى الصفحة الرسمية للمجلس الإقليمي لبولمان التي لا يتجاوز عدد متتبعيها 315 شخصا، في الإجمال، وكذا على الحساب الشخصي لعضو المجلس الإقليمي المنتمي للجماعة.

وعلى إثر ذلك مثلا، أعلنت جمعية القدس للتنمية والأعمال الاجتماعية بكيكو، عن فتح باب التسجيل للاشتغال في ورش “تنقية المسالك وتشجير جنبات الطرق، وذلك لمدة 3 أشهر، ول15 مستفيدا، ويدخل هذا الورش في إطار الأوراش العامة المؤقتة. وانطلق المشروع بناء على اتفاقية شراكة عقدتها الجمعية مع المجلس الإقليمي لبولمان، في “إطار تنزيل برنامج أوراش الرامي إلى إحداث فرص شغل مباشرة ضمن برنامج أوراش عامة ولمدة محددة، للعناية بالعنصر البشري في ظل الظروف الصعبة لجائحة كوفيد-19) حسب نص الإعلان.

هذا الضعف في التواصل يمكن اعتباره أحد أبرز العيوب المرتبطة بالبرنامج، الذي جعل المعلومة وتفاصيل البرنامج لم تصل بالشكل اللازم إلى الجهات المعنية، ولعل هذا ما دفع الحكومة في العلاقة مع برنامج فرصة أن تلجأ إلى شراء خدمات من صميم مهامها بملايين الدراهم، سعيا إلى محاولة التغطية عن عجزها التواصلي. 

قطرة ماء في بحر متلاطم من البطالة

يرى العديد من المتتبعين أن الحكومة من خلال المبادرات التي تقدم عليها تستمر في البحث عن حلول ترقيعية لا يمكنها أن تصمد كثيرا أمام الواقع العنيد، بينما المغاربة في حاجة إلى مشاريع وبرامج تنموية حقيقية، تساهم بفعالية في خفض معدلات الفقر والبطالة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.

وفي السياق ذاته، شكل مجموع ما ينتظر أن يخلقه الشطر الأول من برنامج أوراش على صعيد إقليم بولمان حوالي 1115 فرصة شغل مؤقت، وهو ما يعتبر مجرد قطرة ماء في بحر متلاطم الأمواج من البطالة، في إقليم تبلغ عدد ساكنته 197 ألف و596 نسمة (حسب إحصاء 2014)، بنسبة بطالة مرتفعة في ظل غياب فرص شغل قارة، وانعدام وحدات صناعية في الإقليم.

منير الغزوي، الخبير الاقتصادي أكد في تصريح لـ “هوامش”، “أن الأنشطة المختارة بإقليم بولمان لم تعكس الاحتياجات ذات الأولوية بالإقليم، ولن يكون لها أية قيمة مضافة في خلق مداخل جديدة للتشغيل ولا للتنمية المستدامة.

وأضاف الغزوي أنه “وقع خلل في فهم دفتر التحملات ولم يتم الفصل بين المشاريع والأنشطة التي تدخل في إطار الأوراش المستدامة وتلك التي تدخل في إطار الأوراش المؤقتة وهذه الأخيرة هي التي كانت مطلوبة من طرف المجلس الإقليمي”.

كما سجل الغزوي أن عملية التشخيص وتحديد مشاريع التنمية المستدامة لم تحظ بالعناية الكافية من طرف المجلس الإقليمي، إذ لم ينفتح في ذلك على الخبرات الإدارية والتقنية، حتى أن المجلس لم يفعل الدور الاستشاري لهيئة تكافؤ الفرص.

وهو الأمر الذي ساهم في غياب بعض الأنشطة والمشاريع التي كان يحتاجها الإقليم، والتي كان من المنتظر أن تخلق مشاريع وأنشطة مساهمة في تقوية الاهتمام بالتنمية المحلية أو تلك التي يمكن أن تساهم في توفير آليات ومعطيات من شأنها تقوية النسيج الاقتصادي خاصة المشاريع المنفتحة على السياحة وتلك المهتمة بالعناية بالغابة وغيرها.

عبد العالي الكونتي، فاعل جمعوي ببولمان، أكد في تعليق له أنه “لا يرى أي جدوى من هذا البرنامج، كسابقيه من البرامج” ويضيف “يبقى البرنامج مجرد در الرماد على العيون، وسعيا لربح الوقت، وذلك نظرا لغياب الاستراتيجيات والخطط من خلال خلق الاستثمارات الضرورية والقادرة على خلق مناصب الشغل”، متسائلا عن فلسفة هذا البرنامج، وعما إذا كان كافيا لخلق فرص الشغل، وعن علاقة إصلاح السواقي. وترميم الطرق، وأسوار المقابر بخلق التنمية، في غياب الحديث عن البنيات التحتية الضرورية كدور الشباب ودور الثقافة.

أوراش والدعم التربوي

منذ إطلاق البرنامج، أثار الورش المتعلق بالدعم التربوي، العديد من الإنتقادات، حيث لجأت بعض الجماعات إلى اعتماد القرعة في اختيار المشرفين على هذه العملية التربوية، دون اشتراط التوفر على تكوين يؤهلهم للقيام بها.

هشام العبدلاوي، عضو لجنة الإعلام الجهوية لفاس مكناس للتنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، أكد في تصريح لـ”هوامش” أن موقف التنسيقية واضح تجاه ما يسمى ببرنامج (أوراش) إذ عبرت عن رفضها “لكل السياسات الترقيعية داخل المنظومة التعليمية”، وحملت المسؤولية الكاملة للدولة والوزارة الوصية على القطاع لما قد ستؤول إليه الأوضاع”.

واعتبرت التنسيقية، حسب العبدلاوي أن برنامج “أوراش” لا يختلف عن مخطط التعاقد الذي تم فرضه سنة 2016 والذي تحول بعد ذلك إلى خيار استراتيجي بنفس ذريعة فرض هذا البرنامج “أوراش” وهي سد الخصاص، والذي بدوره سيتحول بعد مرور السنوات إلى خيار استراتيجي، مضيفا أن “هذا البرنامج ليس إلا جوابا من أجوبة الوزارة بخصوص هدر الزمن المدرسي الذي تتحمل مسؤوليته، والذي لا يعدو أن يكون سوى جوابا ترقيعيا لا غير”.

وأكد العبدلاوي أن الغرض من هذا البرنامج هو إسكات أفواج كبيرة من المعطلين الذين لهم الحق كما غيرهم في وظيفة عمومية، هؤلاء هم الذين تم إقصاؤهم نهاية السنة السابقة من مباراة التعليم بمبرر السن (30 سنة)، متسائلا عما إذا كان فعلا تسقيف السن وتحديد جملة من الشروط؛ الغرض منها تحقيق الجودة في التعليم أم أن هناك غايات أخرى؟

بدوره محمد بنساسي، خبير تربوي، أكد أنه “ربما يستطيع برنامج أوراش حل مشكل البطالة بشكل مؤقت لعدد من حاملي الشهادات، لكنه سيخلق مشاكل مزمنة للتعليم، وهذا أمر لا يمكن أن يجادل فيه المختصون في مجال التعليم، لأن التعليم لا يحتاج فقط إلى شهادات، بل يحتاج إلى تأهيل، فليس كل حامل شهادة صالح لأن يُصبح معلما، كما أن الأمر يضرب عرض الحائط شرط ثلاثين سنة لولوج مجال التعليم، المُحدد من طرف الحكومة”.

وأضاف بنساسي “أظن أن أوراش بالنسبة لقطاع التعليم، ستكون لها آثار سيئة جدا على المدى المتوسط والبعيد، من قبيل أن حاملي الشهادات الذين سيلتحقون بالتعليم عن طريق البرنامج، غير مؤهلين مهما كانت الجهود التي ستوفرها لهم الجمعيات من أجل توفير الحد الأدنى من التأهيل، سيظلون دون متطلبات القسم ومهنة التدريس، وبالتالي سينعكس هذا في العلاقة بين الأستاذ والتلميذ”.

تقارير تحذر من انحرافات أوراش

مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، ومرصد العمل الحكومي في تقرير أولي صادر هذه السنة، سجل أن هشاشة فرص الشغل الناتجة عن هذا البرنامج، بالإضافة إلى محدوديتها الزمنية، قد تنتج عنها توترات اجتماعية، في حالة عدم قدرة المستفيدين على الولوج الطبيعي إلى سوق الشغل، كما سجل التقرير تخوفا من الاستغلال الحزبي والسياسي للبرنامج، في ظل التدبير الإقليمي والجهوي للمؤسسات المنتخبة، وفي ظل هيمنة الأحزاب المشكلة للحكومة على أغلبية المجالس الجهوية والإقليمية، وهو ما يهدد –حسب التقرير- شمول البرنامج لمختلف الجماعات والمجالات الترابية.

وسجل ذات المصدر، سلبية الدور الثانوي الممنوح للمؤسسات العمومية المسؤولة عن التشغيل، وعدم تمكينها من لعب أدوارها والاستفادة من خبرتها في مجال التشغيل والتعامل مع كافة الفئات الباحثة عن شغل. كما سجل التقرير تخوف معديه من سيادة منطق الريع فيما يخص استفادة هيئات المجتمع المدني المستهدفة ومدى قربها من المشرفين على الشأن العام المحلي والإقليمي والجهوي.

منظمة أوكسفام، أكدت في ختام سلسلة موائد مستدير، نظمتها بشراكة مع “مرصد العمل الحكومي” تحت عنوان: “برنامج أوراش رؤى متقاطعة”، أن البرنامج لا يتحدث عن خلق مناصب شغل مستدامة، كما هو مطلوب، بل فقط عن خلق فرص شغل، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق بالآني والمرحلي، الذي لا يتوفر على نفس طويل، وسجلت أوكسفام أن البرنامج أعطيت انطلاقته في غياب رؤية وفي غياب فلسفة لكيفية النهوض بسوق الشغل، معتبرة أنها المسألة الأولى التي ينبغي للحكومة والوزير المكلف بالتشغيل أن يعطيها اهتمامه، وأن يحدد الرؤية ويحدد الإطار العام للبرنامج.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram