هاجر الريسوني
بعد أن تراجع وزير العدل عبد اللطيف وهبي عن وعده بتقديم ملتمس للملك من أجل العفو عن ما تبقى من معتقلي حراك الريف، بمبرر أن الاستفادة من العفو رهين بتقديم المعنيين بالأمر للطلب، قدمت النائبة البرلمانية نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، الأسبوع الماضي مقترح قانون لمجلس النواب يروم إلى “العفو العام” عن معتقلي حراك الريف.
وجاء في دباجة مقترح القانون أن “الاعتراف بمطالب الحراك، يؤكد من جهة شرعية الاحتجاجات التي عرفتها منطقة الحسيمة وضواحيها طيلة سنتي 2016 و2017، ويؤكد من جهة أخرى أن تلك الاعتقالات والمحاكمات وما أفرزته من أحكام، إنما هي نوع من أنواع التضييق على حرية الرأي والتعبير وحرمان المواطنين من حقهم في التظاهر والاحتجاج السلمي”.
ونص المقترح على أن يسري العفو على كل الأفعال التي شكلت أساسا للمحاكمات التي شهدتها المنطقة منذ بداية الحراك في 28 أكتوبر 2016، والتي كانت موضوع أحكام قضائية ابتدائية واستئنافية صدرت خلال سنوات 2017 و2018 و2019، عن مختلف محاكم المملكة.
وإذا كانت منيب قد اعتمدت على الفصل 71 من الدستور المغربي الذي ينص على حق البرلمان في التشريع في عدد من الميادين من بينها إصدار قانون “العفو العام”، إلا أن الفصل 49 قيد هذا الحق من خلال منح المجلس الوزاري صلاحية عرض مشروع القانون عليه من أجل التداول فيه، ما يعني أن هذا النوع من مشاريع القوانين يدخل في ضمن اختصاصات المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك.
لم يكن مقترح منيب وحيدا في هذا الصدد، بل سبقها إلى ذلك النائبين البرلمانيين السابقين عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، وقدما المقترح سنة 2018 في سياق الأحكام التي صدرت في حق معتقلي حراك الريف والتي وصفت بـ”القاسية”، غير أنه بقي حبيس رفوف الغرفة الأولى.
يعتبر الفاعل السياسي عمر الحياني أن هذا المقترح جاء “تطبيقا للمادة 71 من دستور 2011 التي تعطي للبرلمان صلاحية ممارسة العفو العام”، موضحا أن “منطق هذا المقترح يقول إن هؤلاء المعتقلين قادوا حراكا اجتماعيا ولم يتسببوا في فوضى أو أذى وأن المطالب التي رفعوها كانت اجتماعية واقتصادية فضلا عن أنهم فتحوا أعين المغاربة على مجموعة من المشاكل التي تعانيها منطقة الريف، بيد أن الدولة اعترفت بهذه المشاكل وقامت بإعفاء عدد من المسؤولين الكبار منهم وزراء”.
وأضاف الحياني في تصريح لـ”هوامش”، “أن الأحكام النهائية صدرت ولم تعد هناك أي درجة أخرى من التقاضي، لذلك لم تبقى إلا خطوة ‘العفو’ لطي هذا الملف”، مسترسلا أن “هناك امكانيتين للعفو، العفو الملكي والعفو العام، بما أن العفو الملكي لم يصدر في حق آخر معتقلي حراك الريف، فيجب استعمال العفو العام الذي جاء به دستور 2011 ولم يتم استعماله لحد الآن”.
رغم أن العفو العام يعتبر من مستجدات دستور 2011، الذي عمل على توسيع صلاحيات البرلمان، لتشمل التشريع في مجال “العفو العام”، إلا أن البرلمانيين لم يستعملوا هذا الحق طيلة الولايات الثلاث التي جاءت بعد التعديل الدستوري، وهذا يعود وفقا للحياني إلى أن “الفرق البرلمانية ليست لها الرغبة لتفعيل هذه الآلية، لأنهم يعتبرون العفو من اختصاص الملك”، وأضاف “أن البرلمانيين لم يصدقوا بعد أن لديهم هذه الصلاحية، فحين وضع المقترح لأول مرة كان بعضهم يتساءل هل هذا الحق موجود في الدستور حقاً”.
ولم يسبق لمقترح قانون العفو العام أن نوقش في لجنة التشريعات في مجلس النواب، وهذا ما أكده الحياني قائلا: “قد وضع بلافريج والشناوي المقترح في مكتب مجلس النواب، لكن لم يسبق للجنة التشريعات التي كان يترأسها آنذاك برلماني عن الاصالة والمعاصرة، أن وضعت هذا المقترح في جدول الأعمال رغم أن حزبه آنذاك كان ينادي هو أيضا بطي هذا الملف والافراج عن معتقلي حراك الريف”.
منذ سنة 2017 تنتظر عائلات المعتقلين المناسبات الدينية أو الوطنية علّها تكون فرصة لإطلاق سراح فلذات كبدها، وتم خلال السنوات الأربع الماضية إصدار عفو ملكي عن العشرات من معتقلي الحركات الاجتماعية باستثناء قادة حراك الريف، منهم ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق اللذان حكما بـ20 سنة سجنا نافذا ومحمد جلول الذي يقضي عقوبة قدرها عشر سنوات.
انعدام أي مبادرة برلمانية أو حكومية تهدف إلى إصدار قانون العفو العام، و استفراد الملك بالعفو، جعل كل المتتبعين لهذا الملف يعتقدون أن إطلاق سراح باقي معتقلي حراك الريف في يد الملك.
وفي هذا الشأن يعتبر عبد الله الغلبزوري ناشط سابق في حراك الريف أن “جبن النخبة السياسية التي تتنازل عن صلاحيات برلمانية وحكومية دستورية لصالح القصر رغبة في نيل الرضا، كلها أمور تجعل انبثاق حل من داخل مؤسسة أخرى غير المؤسسة الملكية أمرا مستحيلا”، مضيفا “أن أي حل جاء من خارج المؤسسة الملكية لن يكون إلا بموافقة وتوجيه من القصر”.
ويرى الغلبزوري في تصريح لـ”هوامش” أن “مقترح قانون منيب هو مبادرة رمزية بمثابة تذكير للمواطنين بوجود معتقلين سياسيين في السجون لا أقل ولا أكثر، ما دمنا نعرف أن الأغلبية والمعارضة قادرة على إيجاد صيغ قانونية تجعل من مقترح قانون العفو أمرا غير قانوني”.
بالمقابل يشير المتحدث ذاته إلى أن هناك “أشخاص وردت أسماؤهم في محاضر الشرطة باعتبارهم نشطاء ضمن حراك الريف يوجدون في أوروبا تتهمهم الدولة بتهم ثقيلة جدا ومقترح قانون العفو لن يحل هذه المشكلة حتى وإن افترضنا الموافقة عليه، رغم أنني أعتقد باستحالة ذلك”، مردفا “ما دامت السلطات لم تجد حلا للجميع بمن فيهم الذين يعتبرون أنفسهم في عداد المنفيين فإن قضية حراك الريف لن تنتهي.”
إذا كان العفو بصيغته سيمكن المعتقلين من استعادة حريتهم إلا أنه لن يمحي أثار ما عاشته ساكنة الريف خلال الحراك، وفقا لما صرح به الغلبزوري قائلا : “إن هناك قضايا أخرى تجعل من العفو عن المعتقلين لوحده أمرا غير كاف، إذ يحتاج الأمر إلى مصالحة حقيقية قائمة على الاعتراف بالانتهاكات التي تمت ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، وهذا الاعتراف هو ما لن تقوم به الدولة، ومن هنا أستبعد انتهاء حراك الريف، بقدر ما سيضاف كجرح تاريخي آخر إلى سجل حافل من سوء الفهم في علاقة الريف بالمركز”.
وسرد الناشط في حراك الريف بعض القضايا التي لازالت مستمرة رغم صدور عفو ملكي عن المعنيين بها، قائلا “نجد مثلا أزيد من 400 معتقل على ذمة حراك الريف قضوا فترات متفاوتة في السجن بسبب تهم يعتبرونها ملفقة بمحاضر أمنية جاهزة، وحتى بعد قضاء محكوميتهم أو العفو عنهم لا يزالون يطالبون بإنصافهم من الظلم الذي لحقهم”.
ورصدت الجمعيات الحقوقية تجاوزات أمنية كبيرة أثناء تفريق احتجاجات الريف، وهو ما أكده الغلبزوري في حديثه لـ”هوامش” من قبيل ضرب المواطنين بطريقة وحشية وسحلهم في الشوارع أثناء تفريق الاحتجاجات، الأمر الذي ترك أثرا واضحا في تصور المواطنين لعلاقتهم بالدولة، بالإضافة إلى السب والشتم العنصري الذي كان يصدر عن أفراد أمنيين من قبيل “الأوباش” أو “أولاد السبنيول” وهو الأمر الذي يُنظر إليه باعتباره موقفا رسميا ما دام الأمر لم يتخذ فيه أي إجراء في حق أي أحد.
هذا فضلا عن تجاوزات لحقت ممتلكات المواطنين الخاصة على يد محسوبين على أفراد الأمن والتي رصدتها الكاميرات الخاصة، نشرت منها مقاطع كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي توثق لتكسير الأبواب بدون هدف، ورشق الواجهات الزجاجية للمنازل والإنارة العمومية بالحجارة، “ثم قتل الشاب عماد العتابي أثناء الاحتجاجات وما لحق القتل من ضغوطات على عائلته لدفنه، وغيرها من القضايا التي نعتقد بأن عدم حلها في أقرب الآجال ستصبح مع مرور الزمن وقودا لاحتجاجات أخرى” يقول المتحدث.