الرئيسية

مُعنّفات خلف الأبْواب المُغلقَة.. الوَجهُ الآخر لكُوفيد 19  

كان الحجر الصحي بمثابة سجن مع الأعمال الشاقة لآلاف النساء المغربيات، اللائي كن ضحايا العنف من طرف أفراد أسرهن وأزواجهن وأقربائهن. خلف تلك الأبواب الموصدة التزاما بالحجر الصحي لم تكن صرخاتهن مسموعة، تألمن بصمت وعشن مع معنفهن تحت سقف واحد مما كان يعرضهن لمزيد من العنف الجسدي والنفسي وحتى الاقتصادي.

هاجر الريسوني

منذ بداية جائحة كورونا، كانت هناك تحذيرات أممية بخصوص ارتفاع العنف ضد النساء، بحيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة  أنطونيو غوتيريش، إلى اتخاذ تدابير لمعالجة “الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي” ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كوفيد-19، معتبرا أنه “بالنسبة للعديد من النساء والفتيات، إن أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ: منزلهن”. 

آلاف القضايا في المحاكم

في ظرف سنة وبعد تخفيف القيود المفروضة بسبب انتشار فيروس كورونا، ارتفع عدد قضايا العنف ضد النساء التي توصلت بها المصالح الأمنية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، المعنية بمعالجة القضايا المتصلة بالعنف ضد المرأة، (ارتفع) بأزيد من 10 الالاف قضية، حيث سجلت ما مجموعه 61 ألف و388 قضية خلال 2021 مقابل 50 ألف و841 قضية خلال سنة 2020.

هذه المعطيات كشفت عنها لمديرية العامة للأمن الوطني، بمناسبة اليوم العالمي للعنف ضد المرأة خلال أشغال يوم دراسي حول “تحديات وإكراهات التكفل بالنساء والفتيات ضحايا العنف”، نظمته بشراكة مع مكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة، حيث أفادت أنه خلال السنة الماضية تم تقديم 19 ألف و664 شخصا مشتبها فيه إلى العدالة في قضايا تتعلق بالعنف ضد النساء.

وفي الوقت التي تتحدث فيه دراسات سابقة لمؤسسات حكومية وغير حكومية على أن العنف النفسي من أكثر الأنواع الذي تتعرض له النساء، كشفت المديرية على أن العنف الجسدي يأتي على رأس القضايا المسجلة، حيث بلغت نسبته 41 في المائة، متبوعا بالعنف الاقتصادي بنسبة 27 في المائة، فيما يشكل العنف النفسي 26 في المائة والعنف الجنسي 04 في المائة من مجموع أشكال العنف.

وخلال سنة 2020 التي عرفت حجرًا صحيّا دام لشهور، فإنه تم تقديم 15 ألف و806 شخصا مشتبها فيه إلى العدالة. 44 في المائة من القضايا المعروضة على القضاء كانت بسبب العنف الجسدي، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 26 في المائة، فيما يشكل العنف النفسي 20 في المائة والعنف الجنسي 9 في المائة من مجموع أشكال العنف، أما العنف المرتكب بواسطة وسائل التكنولوجيا الحديثة، فيشكل 1 في المائة من مجموع القضايا المسجلة.

أما بخصوص تمظهرات العنف الجسدي، فإن العنف الجسدي البسيط المسجل ضد النساء المتسبب في عجز بدني لم تتجاوز مدته 20 يوما شكل ما يناهز 82 في المائة من مجموع القضايا المسجلة، يليه العنف المتوسط بنسبة مئوية بلغت 16 في المائة، في حين شكل العنف الجسيم 2 في المائة من مجموع القضايا.

ارتفاع نسبة العنف خلال كورونا

لم تنحصر تداعيات فيروس كورونا على ما هو صحي واقتصادي فقط، بل كانت هذه الفترة هي الأسوأ على مستوى العنف الذي تعرضت له النساء المغربيات. وأكدت التقارير الرسمية والغير الرسمية ارتفاع نسبة العنف ضد النساء خاصة من طرف أقربائهن سواء الأزواج أو أفراد أسرهن، وهذا ما كشف عنه تقرير فدرالية رابطة حقوق النساء الذي رصد حالات العنف انطلاقا من 16 مارس 2020. التقرير أفاد أنه أثناء هذه الفترة استقبلت منصات الاستماع والتوجيه القانوني والنفسي التي وضعتها الفدرالية وشبكة مراكز الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، 1774 اتصالا هاتفيا للتصريح بالعنف من 1038 امرأة عبر مختلف التراب الوطني، و قد لاحظت فدرالية رابطة حقوق النساء عند تحليلها لهاته المعطيات أن العنف المبني على النوع قد ارتفع خلال فترة الحجر الصحي والطوارئ الصحية بنسبة زيادة بلغت 31,6 في المائة بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019. على الرغم من أن ظروف الحجر والطوارئ الصحية لم تتح لكل النساء والفتيات ضحايا العنف إمكانية التبليغ والتصريح بالعنف.

وسجلت فدرالية رابطة حقوق النساء ما مجموعه 4663 حالة عنف مورس على النساء والفتيات بمختلف أنواعه وتجلياته خلال الفترة ذاتها، وشكل العنف النفسي أعلى نسبة بـ 47,9 في المائة يليه العنف الاقتصادي بنسبة 26,9 في المائة أما المرتبة الثالثة فيحتلها العنف الجسدي بنسبة 15,2 في المائة حيث تم تسجيل 709 فعل عنف جسدي منها حالة قتل لسيدة وحالة محاولة قتل لسيدة أخرى. في حين بلغت نسبة العنف الجنسي 5,1 في المائة، حيث سجلت منصة الاستماع العديد من حالات العنف الزوجي التي صرحت به النساء.

يتبين كذلك من الأرقام المرصودة أن العنف الزوجي سجل أعلى النسب خلال فترة الحجر والطوارئ الصحية حيث بلغ 81,8 في المائة بما فيه عنف الخطيب والطليق كاستمرار للعنف الزوجي رغم أن العلاقة منتهية.

وفي هذا الشأن تعتبر المحامية والناشطة الحقوقية عتيقة لوزيري في تصريح لـ“هوامش أنفو” أنه “خلال السنتين الأخيرتين عرفت ظاهرة العنف ضد النساء ارتفاعا مهولا، بحكم أنه خلال جائحة كورونا اضطر الناس للجلوس في المنازل والاحتكاك مع بعضهم بشكل يومي عكس فترة ما قبل كورونا، مما ساهم في ارتفاع عدد الشكايات التي توصلت بها الجمعيات المعنية بحقوق النساء، أو توصلنا بها نحن كمحاميات ومحاميون  أو توصلت بها بشكل مباشر خلايا العنف ضد النساء في مراكز الشرطة أو القضايا التي عرضت على القضاء”.

قانون ناقص

رغم أن قانون مناهضة العنف ضد النساء دخل حيز التنفيذ في سبتمبر 2018، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع  تعتريه بعض النواقص، خصوصا على مستوى الحماية والتتبع وآليات التكفل، كما أنه مزال محل خلاف بين تيار يعتبر أنه قانون متقدم جدا على مستوى محاربة العنف ضد النساء وتيار يشكك في قدرته على حمايتهن.

وفي هذا الشأن وردا على سؤال  قدرة القانون على حماية النساء تعتبر المحامية لوزيري أن “هذا السؤال لن يجب عليه القانون لوحده بل يحتاج لمنظومة متكاملة يتداخل فيها ما هو قانوني بما هو مجتمعي ونفسي وتربوي، بمعنى أنه جزء من السياسات العمومية للدولة”.

وأضافت الناشطة الحقوقية “إذا عدنا للقانون المغربي وقارناه بالمعايير الأممية التي يجب أن تتوفر في قوانين مناهضة العنف ضد النساء، والتي وضعت لكي تحترمها الدول الموقعة على اتفاقيات المرتبطة بحقوق النساء أثناء وضع القوانين الوطنية، وهي كالتالي “الوقاية، الحماية، ضمان عدم الإفلات من العقاب وتكفل”، نجد أن القانون يتوفر على أربعة أبواب ولا يتضمن إطار عام وديباجة توضح فلسفته، إذ أن الباب الأول يتضمن تعاريف العنف الجنسي والنفسي والاقتصادي في غياب لتعريف العنف والاغتصاب الزوجي. وترى الناشطة الحقوقية أن الباب الثاني من القانون “عبارة عن إحالات وتتمة وتعديل لمقتضيات القانون الجنائي، ناهيك عن الباب الثالث الذي نجد فيه الجانب المتعلق بالمسطرة الجنائية وتعديلات لمقتضياتها، والباب الرابع الذي يتحدث عن التكفل، رغم أن التكفل بضحايا العنف موجود منذ سنين من خلال خلايا العنف ضد النساء، إلا أن صدور القانون عمل على مأسسة هذه الخلايا”.

وترى لويزي أنه “رغم المجهودات المهمة التي تبذل في إطار مواجهة ظاهرة العنف ضد النساء سواء من قبل رئاسة النيابة العامة أو باقي القطاعات الأخرى المعنية ، فضلا عن العمل الهام الذي تقوم به جمعيات المجتمع المدني خاصة الجمعيات النسائية لكن لازال العمل على تغيير العقليات داخل المجتمع بشكل عام وفي أوساط بعض الساهرين على إنفاذ القانون يفرض نفسه بقوة حتى نتمكن من تخفيض حالات العنف ضد النساء، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن قانون 13.103 في حد ذاته رغم أهميته وإضافته لمواد جديدة كإبعاد المعنف من الضحية وتجريم تبديد الممتلكات الزوجية، لكنه غير متلائم مع المعايير الأممية الأربع التي يجب توفيرها بالقانون، فضلا عن غياب تقديم عام يحدد الإطار العام للقانون”.

ثغرة أخرى تعتبرها لويزي عائقا لحماية النساء المعنفات وهي “المرتبطة بشق إثبات العنف خصوصا حين يكون المعنف هو الزوج أو أحد أفراد الأسرة، بحيث أن المرأة ضحية العنف مطالبة بإثبات العنف بالطرق التقليدية من قبيل شهادة الشهود والشواهد الطبية، كأنها في مواجهة جريمة عادية وتحتاج أن تثبت تعرضها للضرر، دون أخذ بعين الاعتبار أن المرأة حين تصل لقناعة تقديم شكاية تكون قد مرت بمسار طويل لتقنع نفسها بأنها ضحية عنف” تقول المتحدثة ذاتها، وتضيف “لذلك نحن نعتبر أنه إذا أردنا حماية النساء من العنف يجب إعفاءهن من وسائل الإثبات لأن حالة المرأة المعنفة تتحدث عن نفسها”.

في الشأن ذاته اعتبرت منظمة “أوكسفام” خلال دراسة نشرتها نهاية السنة الماضية تحت عنوان “العنف ضد النساء، في ضوء القانون وسياق الجائحة” أن “القانون يتضمن العديد من الثغرات التي تمت إثارتها قبل إصداره، ومنها على الخصوص انعدام تعريف واضح للعنف المنزلي واستبعاد الشريكين غير المتزوجين من نطاق تطبيقه، وانعدام الدقة فيما ما يخص مسؤولية مختلف المتدخلين من أجل الوقاية من العنف، وفي ما يتعلق بواجبات أجهزة الشرطة والقضاء في مجال حماية الضحايا”.

ووفقا للدراسة فإن القانون يفتقر إلى “وجود تعريف للعنف مطابق للاتفاقيات الدولية، حيث أن هناك تنوع في تحديد أشكال العنف (العنف الجسدي، النفسي، الجنسي والاقتصادي)، ويؤدي هذا التنوع إلى طرح إشكالية نظرا لكون القانون لم يحدد بدقة الأفعال التي تمثل كل شكل من أشكال العنف”، كما أشارت الدراسة إلى أنه يبقى التواصل بشأن هذا القانون جد محدود، مما يؤدي إلى كون أكثر من نصف النساء والرجال لا يعرفون القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.

نصف المغربيات تعرضن للعنف

رغم أن نتائج البحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء الذي أشرفت عليه وزارة الأسرة والتضامن تعود إلى سنة 2019، إلا أن هذه المعطيات توضح أن العنف ضد النساء ليس وليد الجحر الصحي بل سلوك متجذر داخل المجتمع وأن أغلب النساء ضحايا العنف لا يبلغن عنه، بحيث كشف البحث أن نسبة انتشار الظاهرة على الصعيد الوطني تصل إلى 54.4 بالمائة، وتقدر هذه النسبة في المجال الحضري بـ55.8 في المائة، و51.6 بالمائة بالمجال القروي.

بالمقابل 71 في المائة من النساء المعنفات لا يتحدثن عن العنف الذي تعرضن له، و93 في المائة منهن لا يقدمن شكايات حول حالات العنف التي يتعرضن لها.

أرقام البحث الوطني كشفت عن أن 52.5 في المائة من النساء يطالهن العنف داخل الوسط الزوجي، ويعتبر العنف النفسي أكثر الأنواع ممارسة بنسبة 96 في المائة، ويبقى الزوج هو المعنف رقم واحد حسب المستجوبات بنسبة 92.4 في المائة تليه والدته ب 3.9 في المائة ثم فرد من أسرة هذا الأخير ب 2.3 في المائة يليه والد الزوج ب 1.4 في المائة.

المثير في معطيات البحث أن العنف مرتفع أيضا لدى النساء المطلقات والأرامل بنسبة 30.9 في المائة، ويعتبر العنف الاقتصادي هو أكثر أشكال العنف التي تتعرض له هذه الفئة بنسبة 54.6 في المائة، ويكون على شكل الامتناع عن النفقة بالنسبة للمطلقات والحرمان من الإرث بالنسبة للأرامل.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram