الرئيسية

التبرّع بالأعضاء في المغرب بين الخوف وفقدان الثقة

بين الفينة والأخرى، تنطلق في المغرب حملات توعوية إعلامية حول أهمية التبرع بالأعضاء وزرعها، وذلك بمبادرة من مؤسسات الدولة وجمعيات المجتمع المدني. في المقابل تتناقل أخبار عن متهمين ينشطون في الاتجار بالأعضاء البشرية. وبين كل هذا وذاك، نجد آلاف من المرضى، يحدوهم أمل كبير في العثور على متبرع، يخرجهم من دائرة الحيرة والألم، ويعيد إليهم بهجة الحياة.

حسناء عتيب

كان المغرب سباقا على الصعيد المغاربي إلى عمليات زرع الأعضاء والأنسجة، إذ تمت أول عملية زرع كلى بمدينة الدار البيضاء، سنة 1986. غير أن البلد شهد وقتها 630 عملية زرع كلى فقط، من بينها 60 عملية تمّت على أشخاص في حالة وفاة دماغية، ما يمثل 17 عملية زرع لكلّ مليون نسمة، وهو رقم ضئيل مقارنة بالحاجة والطلب الموجودين.

سعاد دينيا، مغربية تكابد آلام تصفية الدم في ثلاث مناسبات أسبوعياً، تحدثت إلى “هوامش” عبر الهاتف بصوت متقطع، ممزوج بالألم بسبب المرض، ومدفوع بالأمل في أن تحظى يوماً ما بمتبرع بكلية تضع حدا لمعاناتها التي دامت أكثر من 30 سنة.

“المحكوم بالمؤبد الذي يمكن أن يقضي 20 سنة ثم يطلق سراحه،  أما نحن مرضى القصور الكلوي فمحكوم علينا بالمؤبد، من دون أمل في أن يطلق سراحنا يوما ما”، ثم تستدرك بالقول ان “يبقى الأمل موجوداً، إلا أن لحظات الضعف تذهب بي بعيدا أحيانا، وأحس بالعتمة تسكن قلبي وأنتظر دائما اتصالا من أحد الأطباء يبشرني فيها بوجود متبرع من أجل زرع كلية. إنه أملي وأمل كل مرضى القصور الكلوي… أما عندما يتعلق الأمر بدعوة الناس للتصويت، فإن الدولة تستخدم كل الوسائل للوصول إلى الناس حتى في أقاصي البلاد”.

وتحدثت سعاد عن صعوبة الحصول على كلية من أحد أفراد عائلتها، بسبب عدم توافق فصيلة الدم.  كما أن القانون المغربي يسمح فقط للمتبرعين الأحياء أن يتبرعوا لأقاربهم المباشرين، أي الوالدان والأبناء والأخوة والأزواج، ما يحد من إمكانات الزرع. يضاف إلى ذلك أن القانون يمنع استئصال أعضاء الموتى من دون موافقة الأقارب الذين ترفض غالبيتهم هذا الأمر، لقلة المعلومات أو خشية مخالفة العقيدة الدينية أو حتى لعدم الثقة بالأطباء. وفي مجتمع ينخره الفساد، يخشى البعض ألا يستفيد من الأعضاء المتبرع بها سوى الأشخاص القادرين على الدفع.

انعدام الثقة في المؤسسات

“ثقافة التبرع في المخيال المجتمعي المغربي لم تكن مزدهرة بما يكفي للتخفيف من معاناة المرضى”، يقول المتخصص في علم الاجتماع الدكتور عبد الجبار شكري، لـمنصة “هوامش”، ويشرح قائلاً أن “التبرع بالأعضاء ارتبط باعتقاد مجتمعي سائد يؤمن بالحرمة الجسدية ويرفض التبرع بالأعضاء، حتى ولو كانت فيها إعادة الحياة إلى نفس بشرية أخرى”. ويضيف  أن “هذا الاعتقاد غذاه ما يتم تداوله أحياناً عن تجارة الأعضاء، مما جعل المغاربة يعزفون عن التبرع لحساسية المسألة”. وبالتالي احتراز نسبة كبيرة جدا منهم من صدقية الحملات التحسيسية (على قلتها) التي تحث على التبرع على الرغم من اقتناعهم بأهمية هذا العمل ونبل مقاصده. وهو ما يجعلُ إقبالَ المواطنين على عملية التبرع بأعضائهم قليلة جدا، ولا تتعدى 0,4  في كلّ مليون شخص.

ودعا المتخصص في علم الاجتماع إلى “مزيد من التوعية بالتعويل على وسائل الإعلام والمجتمع المدني في التحسيس بأهمية وقيمة التبرع بالأعضاء، لرفع عدد المتبرعين والتخفيف من معاناة آلاف المغاربة”، مشدداً على “أهمية الشفافية في التعاطي مع هذا الموضوع درءا لكل الشبهات.

إطار قانوني حازم

بشكل عام، يضع القانون مجموعة من الشروط التي تنظم عملية التبرع بالأعضاء من قبيل أن يكون المتبرع عاقلا وراشدا وأن يكون خاليا من جميع الأمراض المعدية، بالاضافة الى شرط  القرابة مع المتبرع سواء من الأصول أو الفروع. بيد أنه لا يُسمح بتبرع الأزواج لبعضهم دون مرور عام على الأقل من عقد القران.

و بالنسبة لمسطرة التسجيل ضمن لائحة المتبرعين، فتتم عن طريق التقدم بطلب إلى رئيس المحكمة في الدائرة التي يقطن بها المتبرع، وهو الطلب الذي يصبح ساريا بعد المصادقة عليه. وتشترط أيضا الموافقة المكتوبة للمتبرّع على العملية، مصادقاً عليها من قبل القضاء، مع إبقاء المجال مفتوحا أمامه لتغيير قراره في أي وقت، وأن تتم عمليات نقل الأعضاء وزرعها في المستشفيات تحت إشراف طبي. كما يحظر القانون المغربي الاتجار بالأعضاء البشرية. وتعتبر “المجانية” و”الموافقة” المسبقة ضمن مجموعة من المبادئ التي يُحرص على توفرها في عملية التبرع، وفقا للقانون المغربي.

​​ويسمح القانون المغربي بالتبرع بالأعضاء البشرية، وفق ضوابط صارمة تتمثّل في أن يكون الغرض من التبرع بالأعضاء أو أخذها أو زرعها علاجياً أو علمياً، وألّا يلحق بالمتبرع أيّ ضرر، علماً بأن إمكانيات التبرّع حُصرت في “كل جزء من جسم الإنسان سواء أكان قابلاً للخلفة أم لا والأنسجة البشرية باستثناء تلك المتصلة بالتوالد”. لكن بالرغم من كل هذه الاحترازات إلا أن تجارة الأعضاء بالمغرب تجد لها طريقا، وهو ما جرى قبل أسبوع حيث ثم توقيف أربعة أشخاص، من بينهم ثلاث سيدات، للاشتباه في تورطهم في تهجير أشخاص إلى الخارج والوساطة في الاتجار بأعضائهم البشرية, ومكنت الأبحاث والتحريات، في هذه المرحلة من البحث، من التوصل إلى ضحيتين ممن قاموا ببيع كلاهم بتركيا مقابل مبالغ مالية بالعملات الأجنبية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram