الرئيسية

هل تستغل الدولة المغربية قانون الطوارئ للتضييق على الحريات؟

بعد مرور أزيد من سنتين على صدور قانون الطوارئ الصحية، توالت دعوات من حقوقيين وبرلمانيين وأحزاب إلى إلغاء هذا القانون الذي صدر بداية جائحة كورونا أواخر شهر مارس من سنة 2020. كان آخر هذه الدعوات دعوة حزب النهج الديمقراطي الذي اعتبر أن الوضعية الوبائية لم تعد تبرر تجديد العمل بالقانون، مشيرا إلى أن الإجراءات والتدابير المرتبطة بهذا القانون "حدّت من الحقوق والحريات، وتم بموجبها استهداف الحركات الاحتجاجية من خلال تعرضها إلى القمع والمضايقات التعسفية".

هاجر الريسوني

جاءت المطالب بإلغاء القانون في سياق طالب فيه عدد من أعضاء اللجنة العلمية بضرورة تخفيف القيود الصحية وتخفيف الإجراءات بالنسبة للأسفار الدولية، وإلغاء إجبارية وضع الكمامات بالأماكن المفتوحة، والسماح التدريجي بالتجمعات الكبرى بالأماكن المفتوحة.

ومنذ إصدار قانون الطوارئ أثير نقاش حول تقييده للحريات التي جاء بها دستور 2011، الذي يعطي صلاحيات واسعة للسلطة التنفيذية لاتخاذ قرارات دون الرجوع إلى السلطة التشريعية، كما أنه نص على عقوبة حبسية ضد كل من خالف تدابير حالة الطوارئ التي تشمل منع التجمهر والتظاهر.

وتنص المادة الرابعة من القانون على المعاقبة  “بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 إلى 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة لهذا المرسوم بقانون، عن طريق العنف أو التهديد أو تدليس أو الإكراه، وكل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارات المذكورة في هذه الفقرة، بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في أماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية أو أي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية”.

تضييق على الحريات 

في الوقت الذي استقر فيه الوضع الوبائي في المغرب، وانخفضت الحالات المسجلة يوميا، فضلا عن ارتفاع نسبة الملقحين، ليس مطروحا على طاولة الحكومة قرار إلغاء قانون الطوارئ، إذ أنها  تمدد حالة الطوارئ كل شهر دون أن تقدم توضيحات لأسباب هذا القرار، رغم أن الحياة في جل بقاع العالم عادت إلى طبيعتها، وألغت حكومات هذه الدول القيود التي كان مفروضة.

وهذا ما يؤكده خالد البكاري، الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي، قائلا إن “الوضع الوبائي في المغرب مستقر، إن لم نقل إنه تجاوز حالة الوباء، بالتالي فقد تم التخفيف من كثير من القيود المرتبطة بالحق في التنقل، وبالحق في التجمع لحضور الأنشطة الترفيهية والفنية، وكذا الفعاليات الدينية، لكن مازالت السلطة تتشدد فيما يتعلق بحرية التظاهر، بحيث تتم متابعة المتظاهرين بخرق حالة الطوارئ الصحة ضمن مصفوفة تهم أخرى من قبيل التظاهر بدون ترخيص”.

وأضاف البكاري في حديثه لـمنصة “هوامش أن هناك “حالة فريدة تتمثل في منع النائبة البرلمانية والأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد السيدة نبيلة منيب من ولوج البرلمان بمبرر أن المرسوم بمثابة قانون ينص في إحدى تعديلاته الكثيرة على وجوب الإدلاء بجواز التلقيح لولوج الأماكن العمومية، في حين أن مذكرة لوزارة الداخلية تجيز ولوج الملاعب والمسارح ودور السينما دون الإدلاء به”.

واعتبر المتحدث أن “ما سبق يبين ازدواجية السلطة في التعامل مع الإجراءات المرتبطة بهذا القانون، ففي الحين الذي يتم سن تعديلات بخصوص ما يرتبط بالأنشطة التجارية والرياضية والفنية والسياسية تتسم بالمرونة التي تجعل الوضع غير مختلف عما قبل كوفيد 19، يتم بالمقابل المحافظة على الإجراءات المشددة في مواجهة ما يرتبط بالاحتجاج أو التظاهر أو التجمع لأغراض سياسية أو نقابية أو حقوقية لا تروق للسلطات”.

وفي نفس السياق سبق لتقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لسنة 2022، أن اعتبر أن “طريقة تدبير الدولة لهذه الوضعية الاستثنائية أثرت سلبا على الحقوق والحريات في المملكة وأظهرت هشاشة وضعف الضمانات الدستورية للحقوق والحريات التي سبق وأقرها المغرب.”

وأضاف التقرير أنه خلال السنتين الماضيتين “تواترت حالات تعنيف المواطنات والمواطنين بشكل مهين ومشين، وقمع ومنع التظاهرات وتواصل الاعتقالات التعسفية، وإصدار مجموعة من القرارات الجائرة، فضلا عن أن الدولة استغلت حالة الطوارئ المعلنة لتسييد مقاربتها الأمنية أكثر وإعادة إنتاج ممارسات سلطوية على حساب الحقوق والحريات، وللانقضاض على المكاسب الحقوقية الجزئية التي تحققت في سنة 2011 بما فيها المنصوص عليها في الدستور”.

قانون مجمد إلا..

رغم أن مضامين قانون الطوارئ أو المراسيم الصادرة عن الحكومة لا تطبق في أغلب الأحيان، إذ أن جواز التلقيح لم يعد ضروريا للدخول الفضاءات العامة، ولا يعاقب من تم ضبطه بدون كمامة، إلا أن السلطات لازالت تمنع المظاهرات والتجمعات خصوصا ذات الطبيعة الحقوقية، وفي هذا الشأن يؤكد البكاري أنه ”لم يعد أي مبرر لاستمرار العمل بالمرسوم بمثابة قانون المتعلق بسن إجراءات حالة الطوارئ الصحية الذي لم تعد له أي وظيفة سوى كونه ورقة تخرجها السلطة إذا ما احتاجتها في مواجهة فعل منتقد أو معارض أو محتج”، واصفا إياه بأنه قانون “معلق لا يتم تنزيله إلا لمعاقبة من شاءت السلطات سواء المركزية أو المحلية”.

في نفس السياق اعتبر عبد الحفيظ اليونسي أستاذ العلوم السياسية أن “رفع المغرب للإجراءات الاحترازية والسماح بالعودة للحياة الطبيعية في الملاعب والمساجد والمدارس وغيرها من الفضاءات العامة تدل على أن الوضع الصحي متحكم فيه كما تقول بذلك وزارة الصحة”، مضيفا أن “الحد من حريات التنظيم أو التظاهر استنادا على قانون الطوارئ الصحية هو بكل وضوح انزياح عن طبيعة القانون الاستثنائية.” 

واسترسل اليونسي في حديثه لـ“هوامش” أنه “سواء بقي القانون أم لا فلا ينبغي الاعتماد عليه للحد من الحريات والحقوق لأن هذه الأخيرة، بموجب الفصل 59 الذي ينظم حالة الاستثناء، تبقى مضمونة في هذه الحالة”.

من جهة أخرى أشار اليونسي إلى أن “المادة الثالثة من هذا القانون تعطي بوضوح للسلطة التنفيذية إمكانية اتخاذ إجراءات تدبيرية وتنظيمية قد تكون مخالفة للقوانين الجاري بها العمل ومنها القوانين المنظمة للحريات العامة بالبلاد”.

وردا على سؤال من بإمكانه إلغاء هذا القانون يرى البكاري أن “من بيده إلغاء القانون، هي الحكومة، لأنها من أقرته، ويمكنها أن تفعل ذلك دون الرجوع للبرلمان، لأن هذا الأخير منحها تفويضا مطلقا بإدخال تعديلات عليه وتحديد مدة سريانه.”

بينما يعتبر اليونسي أن “تمديد العمل بحالة الطوارئ الصحية يتم بموجب مرسوم صادر عن الحكومة وبالتالي لا بد لممثلي الأمة العمل على تدقيق هذه السلطة ومن تم طرح إمكانية الحد من الحقوق والحريات”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram