حسناء عتيب
يثير تزايد حالات الانتحار في المغرب قلقاً، وسط حديث عن ضغوط نفسية واضطرابات عقلية تدفع الكثيرين إلى وضع حد لحياتهم بشكل مفاجئ. وكشف تقرير لمنظمة “بارومتر”، أثر هذه الأزمات المركبة. فقد أصدرت المنظمة تقريرا حول “الصحة النفسية لمواطني دول شمال إفريقيا”، الذي تحدثَ عن إصابة 20 في المئة من المغاربة بالاكتئاب، يتوزّعون بين 24 في المئة في المدن، و17 في المئة في القرى والبوَادي، كما أكدت وزارة الصحة المغربية من جهتها أن 40 في المئة من المغاربة الذين تتجاوز أعمارهم 15 عاما يعانون إما من اضطراب نفسي أو عقلي. قد يقدم الإنسان في لحظة حزن وضعف وعدم اتزان نفسي أو بسبب “الحكرة”، على وضع نهاية لحياته بسبب ثقل لم يستطع تحمله، على الأرجح لا يرغب هذا الشخص بالموت، قدر رغبته بمواراة ألمه، لذلك، فقد يتجه نحو ما يظن أنها أكثر المسارات سهولة.
وتتعدد أساليب الانتحار، ولكن أكثرها انتشارا في المغرب هو الشنق، والارتماء من أعلى البنايات، وتناول المواد السامة، والارتماء أمام القطار، والانتحار بإطلاق الرصاص الوظيفي أو بالأسلحة الحادة. آخرها الحدث المؤلم والمؤسف ذلك الذي شهدته مدينة الدار البيضاء، حين قام شابٌ يُدعى “زكرياء”، وهو في مقتبل العمر، في بث مباشر عبر صفحته على الفايسبوك ، بصب البنزين على جسده وإشعال النار، )فيما لم تنفع محاولة أحد مرافقيه عن ثنيه عن فعله..
لأول مرة في تاريخ الفايسبوك بالمغرب، تابع ألاف رواد مواقع التواصل الإجتماعي، مقطع فيديو طوله 8 دقائق و55 ثانية، يوثق لعملية انتحار على “المباشر” في المغرب، والتي أقدم عليها الشاب “زكرياء شاويخ”، المنحدر من الدار البيضاء، قبل يومين من عيد ميلاده الـ 20.
كان زكرياء يتحدث منذ البداية مع متابعيه بشكل هادئ، يحكي عن تفاصيل حادثة، قال البعض إنها عابرة، ولم يكن أحدهم يعلم أن الشاب الفقير كان يخبئ مفاجأة درامية ستنهي حياته إلى الأبد، أمام كاميرا هاتفه النقال وأمام أعين مئات المشاهدين.
قبل أن يصب على نفسه البنزين، ويضرم النار في جسده، قال زكرياء في بداية بثه إنه سيحتفل بعامه الـ20 بعد يومين، لكنه يشعر ”بالحكرة” وعدم إنصاف الشرطة له، بعد أن ”تعرض للإعتداء من طرف بعض زملائه في ”سوق السمك بالجملة” بمدينة الدار البيضاء.
عاش زكرياء ظروفا مزرية أدت به إلى التفكير في البحث عن مهنة تغطي مصاريفه ومصاريف البيت، فقرر شراء لوازم العمل، واكثرى عربة صغيرة ”شاريو” يحمل رقم 26. وانتقل إلى السوق للشروع ببيع السمك بالجملة.
شرع الشاب في مزاولة نشاطه في بيع السمك، أملا في تحسين وضعه المادي، غير أنه بدأ يشعر ببعض المضايقات من طرف زملائه، إنطلقت أولاها لما دفع 5 دراهم للحارس الليلي لعربات السمك، امتعض الحارس من ما اعتبره الثمن الهزيل الذي أداه زكرياء، حسب روايته، غير أن الأمر لم ينته هنا، عاد زكرياء إلى العمل بداية الأسبوع الموالي، وبعدما باع ما قيمته 70 درهما من بضاعته، قال إن بعض زملائه تحرشوا به، ونشب بينهم خلاف أدى إلى الإعتداء عليه. خلفت هذه الحادثة جروحا على مستوى رأس وعنق زكرياء، منحه الطبيب على إثرها شهادة طبية تشير إلى عجز لمدة 21 يوما، قدم بعدها شكاية للشرطة.
انتقلت الشرطة إلى عين المكان واعتقلت المعتديين على زكرياء لكنها سرعان ما أطلقت سراح واحد منها، مما جعله يطالب بحقوقه قاصدا مخفر الشرطة من جديد، وقال الشاب ”إنه بعد قيام السلطات الأمنية باعتقال الشخصين، فوجئ بإطلاق سراحهما بعد ذلك، مشيراً إلى أنه بعد عودته إلى مركز الشرطة عومل بـ”قسوة” من قبل رجال الشرطة الذين رفضوا الاستماع إليه، ما خلف لديه شعوراً بـ”الحكرة”، ليقرر بعدها الإقدام على إحراق نفسه. “فضلت الموت لأن الشرطة لم تنصفني” هكذا قال زكرياء في شريط الفيديو قبل أن يضرم النار في جسده أمام متابعيه، لتنتهي أحلامه في رمشة عين.
لتفسير ما قام به الراحل زكرياء يقول يوسف معضور، كاتب متخصص في القضايا الاجتماعية في حديث لمنصة “هوامش”، ”أن فعل الانتحار هو بمثابة رسالة يريد أن يوجهها الشخص المُنتحر إلى الجميع بما فيهم أسرته وأقاربه لكي يُلفت انتباههم، ربما لم يهتموا بأمره ولم يستمعوا إليه من قبل وهو يواجه أزمات ومشاكل نفسية واجتماعية، رغم أن فعل الانتحار هي رسالة متأخرة يوجهها الشخص المنتحر بشكل مأساوي، لكن تبقى في نظر الشخص المنتحر حلا وملاذا بعدما تقفل في وجهه كل الأبواب”.
وبشكلٍ عام، يشكلّ الإحباط وانسداد الآفاق والإحساس بالقهر الذي يشعر به الشّباب المقبل على الحياة بتطلّعات كبيرة، لا يجد لها مكانا على أرض الواقع، هي جوهر الأسباب التي تدفع الشباب المغربي إلى هاوية الانتحار في نظر معضور.
ويضيف المتحدث، أن القلق والتوتر عاملان مهمان في الدفع أكثر تجاه قرار الانتحار، خاصة بالنسبة لبعض الحالات التي لا تتحمل ظروف الحياة الصعبة، كما أن نسب الانتحار تزداد بشكل يرافقه هبوطٌ حاد في مستوى الصحة النفسية للمواطن المغربي، في ظروف معيشية صعبة ماديا ومعنويا لا يستطيع تحملها، بالإضافة إلى انتشار التعاطي للأقراص المهلوسة وغيرها من المواد المخدرة التي تحفّز الميول الانتحارية لدى الشباب.
ويُرجعُ يوسف معضور في حديث إلى “منصة هوامش” أسباب الانتحار إلى عوامل منها ما يرتبط بوضعيات خاصّة، وما يرتبط بحالة المجتمع على وجه العموم.
فبالنّسبة للعوامل المباشرة للانتحار، يوضح المتحدث، أنها ترتبط أساسًا بالحالة النّفسية للفرد، ومنها الإحباط واليأس اللذان ينجمان عن خيبة أمل المُنتحر، وتعاظم شعوره بتأنيب الضمير، وأما العوامل غير المباشرة، فترتبط بحالة الأنوميا الاجتماعية. أي تفكّك معايير المجتمع وقيمه الأخلاقية والاجتماعية، ما يؤدّي إلى شيوع شعور عام في المجتمع بعدم الأمان، الذي يقود في الغالب إلى الانزواء أو الانتحار. لكن لابد من الإشارة أن الشخص المنتحر يمكن أن يفكر في الأمر في لحظة وينفذ الفعل (تفكير، تخطيط ، تنفيذ )، في أقل من 30 ثانية، كذلك يمكنه أن يخطط له منذ شهور أو سنوات لكن ينتظر فقط لحظة تنفيذه والطريقة المناسبة له على حدّ قوله.