محمد تغروت
فاطمة حيددة شابة من مواليد منطقة أيت مكيلت (M’Guilet) بجماعة تمحضيت، تعاني من إعاقة حركية منذ طفولتها، جعلتها تعاني الأمرين لمواصلة حياة عادية مثل أقرانها من التلاميذ. في المستوى الثانوي، كانت فاطمة تعجز عن بلوغ القسم الموجود في الطابق الأول. بسبب غياب ولوجيات، فيقدم لها زملاؤها في بعض الأحيان المساعدة، غير أن عزة نفسها جعلتها تفكر ما من مرة في الانقطاع عن الدراسة على غرار فئة عريضة من دوي الاحتياجات الخاصة، حيث بينت الإحصائيات المرتبطة بالبحث حول الإعاقة لسنة 2014، أن فئة عريضة لا تلج المدارس في الأصل. وتبقى هذه الشريحة الكبيرة عرضة للأمية والضياع. ومن بين العوامل التي تفسر هذا العجز، النقص في توفير خدمات الدعم الاجتماعية، كالنقل المدرسي الملائم والولوجيات والخدمات الطبية والشبه الطبية والمرافقات والدعم المادي. يزداد هذا الوضع تعقيدا بالنسبة للشريحة التي تعاني من إعاقة عميقة بسبب النقص المهول في المراكز المتخصصة.
وفي غياب تحيين رسمي للأرقام والاحصائيات المتعلقة بالأشخاص في وضعية إعاقة في المغرب وأوضاعهم، تعتبر نتائج البحث الوطني الثاني حول الإعاقة الذي أنجزته وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة سنة 2014، هو المصدر الرسمي الوحيد إلى حدود اليوم. وكشف هذا البحث عن أرقام مقلقة. إن نسبة انتشار الإعاقة بالمغرب يصل إلى ما يعادل 2 مليون 264 ألف 672 شخصا في وضعية إعاقة، وعبر 40% منهم عن احتياجهم لتحسين الولوجيات من أجل الاستفادة من الخدمات الصحية والتربوية؛ وأوضح ذات البحث أن 30,5% يعانون من صعوبات للولوج إلى مقر سكناهم، وأن 36,6% يجدون صعوبة للولوج إلى وسائل النقل الجماعي، وأن 16,7% من الأشخاص في وضعية إعاقة لا يستطيعون مشاهدة البرامج التلفزية بسبب القصور الحسي؛ في حين 3,4% فقط من الأشخاص في وضعية إعاقة يستطيعون استعمال جهاز الحاسوب.
في بداياتها كانت فاطمة تتابع علاجها في مستشفى السويسي بالرباط، وبعد بلوغها سن 15 سنة تفاقم وضعها الصحي، مما فرض عليها العودة إلى المستشفى لمواصلة علاجها، غير أنها شعرت “ببعض اللامبالاة”، إذ، حسب تعبيرها، “كانت تحصل على مواعيد في أوقات يكون فيها الأطباء الذين يشرفون على علاجها في عطلة، قبل أن يُطلب منها مبلغ يتجاوز إمكانات عائلتها، قصد إجراء عملية جراحية، مما دفعها إلى التوقف عن زيارة المستشفى تماماً”.
تقول فاطمة إنها تابعت دراستها في مجموعة مدارس أيت حمزة، التابعة لجماعة كيكو، بعيدا عن أسرتها التي تقطن بمنطقة “أيت مكيل”، في منطقة “تمحضيت”، وهي منطقة باردة وبعيدة عن المدرسة بحوالي 6 كلمترات. كان عليها قطعها ذهابا وإيابا، وهو أمر لم يكن بمستطاعها نظرا لوضعها الصحي. دفعها واقعها الصعب إلى المكوث لدى عائلة بمنطقة أيت حمزة. ورغم سوء معاملتها، تحملت فاطمة وتحدت الظروف لتحقيق مبتغاها في إتمام دراستها. التحدي الذي خاضته فاطمة لا يشمل الجميع، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن ما يمثل 66.1 % من الأشخاص في وضعية إعاقة بدون مستوى تعليمي، وهو ما يعادل 1 مليون و476 ألفا، 66,6 % منهم إناث. و50.6 % منهم يعيشون في وسط حضري و 49.4 % يعيشون في وسط قروي. غير أن 19 % لديهم مستوى أولي من التعليم، و9.5 % لديهم مستوى التعليم الثانوي و1.8 % فقط لديهم مستوى عالي.
في الوقت الذي كادت فيه فاطمة أن تستسلم للأمر الواقع التقت بالصدفة برئيسة “جمعية الأمل لخدمة الشخص المعاق بكيكو”، فانفتح في وجهها أمل جديد للاعتماد على نفسها، والبحث عن سبل التخفيف من معاناتها.
فاطمة اليوم تتابع دراستها في السنة الثانية في شعبة علم الاجتماع بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، بعد أن حصلت على شهادة الباكالوريا بثانوية أبي بكر الرازي، وفي نفس الوقت تشتغل كمؤطرة تربوية متخصصة في “مركز الأمل لخدمة الشخص المعاق”، وذلك بعد أن أتاحت لها جمعية الأمل إجراء ثلاث عمليات جراحية في الناظور، تحت إشراف جمعية “من أجل غد أفضل للمعاقين”، استقدمت أطباء جمعية ”الصحة للجميع” الهولندية المتخصصة في ترميم العظام.
يبقى التشغيل أكبر معضلة لدى الشخص في وضعية إعاقة، فقد بلغ معدل بطالة الأشخاص في وضعية إعاقة، من خفيفة إلى عميقة جدا، 47.65 % أي 290 ألف شخصا، وهو 4 مرات أعلى من المعدل الوطني للبطالة المتمثل في 10,6 % (حسب آخر إحصاء وطني عام للمندوبية السامية للتخطيط سنة 2014).
على غرار العديد من المبادرات المحلية التي تشتغل مع فئة الأشخاص في وضعية إعاقة، تأسست “جمعية الأمل لخدمة الشخص المعاق” سنة 2015، بتشجيع من مواطنة أمريكية، وكان الهدف منها منذ البداية إتاحة الفرصة للأشخاص في وضعية إعاقة بمنطقة كيكو، للحصول على الرعاية اللازمة، خصوصا فيما يتعلق بالترويض الحركي.
كانت الجمعية في البداية تطرق أبواب عائلات الأشخاص في وضعية إعاقة، وتقدم لهم خدمة الترويض الحركي، بالإضافة إلى توجيهات لأفراد العائلة بخصوص كيفية التعامل معهم، بتعاون ودعم من طرف جمعية أمريكية لها فروع في المغرب.
ويبقى التعامل مع هذه الفئة صعابا في ضل غياب أليات التواصل وتكوين الأسر، حيث نجد أن 1/4 من الأسر لديها على الأقل شخص في وضعية إعاقة، وهي تمثل % 24.5 من مجموع الأسر المغربية. ومن حيث درجة الإعاقة تبلغ نسبة انتشار الإعاقة الخفيفة % 4.6 من الساكنة، ما يصل إلى 1 مليون و 531 ألف و984 شخص، (% 67.64 من مجموع الأشخاص في وضعية إعاقة). في حين تبلغ نسبة انتشار الإعاقة المتوسطة % 1.6 من الساكنة، ما مجموعه 532 ألف و864 شخصا. وتبلغ نسبة انتشار الإعاقة العميقة جدا % 0.6 من الساكنة، أي ما مجموعه 199ألف و824 شخصا. وتختلف نسبة انتشار الإعاقة حسب الفئة العمرية، حيث تبلغ 1.8 % وسط الفئة أقل من 15 سنة، و 4.8 % وسط ما بين 15 و 59 سنة، و33.7 % وسط 60 سنة فما فوق.
بعد أن تبين جدوى العمل الذي تقوم به جمعية الأمل لخدمة الشخص المعاق، ووقوف أعضائها على وجود العديد من الحالات التي تحتاج إلى عناية، بعد أن كانت مجهولة، ومنغلقة على ذاتها في الغرف المظلمة، كان لزاما أن تلجأ الجمعية إلى اكتراء “مقر” عبارة عن مرآب “كاراج”، لم تكن تتوفر فيه أدنى المقومات اللازمة، ليتم الانتقال إلى بناية ثانية دون أي دعم من أية جهة رسمية.
ووسعت الجمعية الخدمات التي تقدمها للمستفيدين لتشمل إلى جانب الترويض الحركي للأشخاص ذوي الإعاقات الحركية، التربية الخاصة بتقديم دعم للتلاميذ في وضعية إعاقة، وتصحيح النطق، وإدماج الأطفال التوحديين.، كل ذلك بمجهودات خاصة، حسب تصريح رئيسة الجمعية ميمونة بوتازولت.
بعد خمس سنوات من تأسيسها، اقترح المندوب الإقليمي للتعاون الوطني بإقليم بولمان، تأسيس “مركز خاص بخدمة الشخص المعاق”. تواجد هذا المركز لم يكن أمرا سهلا، تقول ميمونة بونازولت رئيسة الجمعية، نظرا لمتطلباته العديدة، فتم اكتراء مقر آخر من مالية الجمعية، وتزامن ذلك مع فترة الحجر الصحي وما كان لها من تداعيات اقتصادية واجتماعية على كافة المغاربة، على غرار العالم ككل.
وبتأسيس المركز تم تشغيل 6 مؤطرات و3 متخصصين ومديرة، وساهم المركز بذلك في خلق فرص شغل لابأس بها في المنطقة، تعتبر هذه السنة الثانية لاشتغال المركز، ويبلغ عدد المستفيدين من خدماته 220 شخصا، 120 ذكور و100 إناث، ويتوزعون حسب ما بين 60 أقل من عشرين سنة، 45 ما بين 21 سنة و40 سنة، 85 ما بين 41 و60 سنة، في حين يبلغ عدد البالغين فوق 60 سنة 30 شخصا، ما بين إعاقات ذهنية، وحركية وحسية.
على رغم أهمية الخدمات التي يقدمها مركز الأمل لخدمة الشخص المعاق في المنطقة، لازال ينقصه الكثير، لعل أبرز الاحتياجات، ما ذكرته فاطمة الزهراء عزيزي مديرة المركز في تصريح لهوامش، من حاجة إلى تكوين للمؤطرين/ات في التعامل مع فئة الصم البكم، باستعمال لغة الإشارة، وكذا طريقة برايل في العلاقة مع المكفوفين، بالإضافة إلى الحاجة إلى أجهزة لتصحيح السمع بالنسبة لفئة عريضة من المستفيدين من خدمات المركز، وكراسي متحركة بالنسبة للأشخاص في وضعية إعاقة حركية.
فاطمة الزهراء عزيزي استغلت الفرصة للوقوف على حالات التوحّد التي يستقبلها المركز، حيث أوضحت أن المؤطرات يجدن صعوبات في إقناع آباء وأولياء الأطفال المعنيين بطبيعة مرض أبنائهم، متأسفة أن هذا الوضع يجعل المجهودات التي يبذلها المركز تذهب سدى نتيجة عدم مراعاة الآباء للسبل السليمة للتعامل مع حالات التوحد، ودعت عزيزي في هؤلاء الآباء والأمهات إلى الحرص على عدم استعمال العدوانية أو التهميش في تعاملهم مع الأطفال الذين يعانون من التوحد، وكذا عدم وضع الأجهزة الالكترونية في متناولهم.
عبد العزيز بوحمام أمين مال “جمعية الأمل لخدمة الشخص المعاق”، المشرفة على المركز، أكد في تصريح لهوامش، أن الموارد المالية للجمعية قليلة جدا بالمقارنة مع طبيعة الخدمات المفترض أن تقدمها، إذ أن الجزء الأكبر من الموارد القارة تأتي من التعاون الوطني في برنامج تحسين تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، ويخصص مجملها لصرف أجور العاملين في المركز.
ودعت رئيسة الجمعية كل الأطراف المعنية إلى مد يد المساعدة لاستمرار المركز في أداء مهامه النبيلة في ظل واقع غياب أي بديل فعلي للأخذ بيد الأشخاص في وضعية إعاقة وبعد المرافق الصحية والمراكز ذات الاهتمام بهذه الفئة المجتمعية، وقلة ذات يد العائلات في المنطقة.
لاحظ المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الخاص بسنتي 2019 – 2020 ، فيما يخص توثيق البرنامج الوطني للتربية الدامجة الموجه للأطفال في وضعية إعاقة، أنه لم يتم تقديم البرنامج في وثيقة رسمية، تحدد الأهداف الدقيقة ومدد الإنجاز والكلفة التقديرية للمبالغ المطلوبة، والجهات المتدخلة ومسؤولية كل طرف، وكذا آليات التتبع والقيادة والتقييم بناء على مؤشرات واضحة ودقيقة مما لا يسمح من تحقيق مبدأ المساءلة بالشكل اللازم ولا من العمل بالتعاقد مع المسؤولين بناء على نتائج قائمة على مؤشرات دقيقة.
كما وقف نفس التقرير على ضعف التنسيق مع بعض الأطراف ذات العلاقة من مصالح وزارية معنية بالمجال والمتدخلة في البرنامج على مستوى الموارد المالية ومؤسسات فاعلة في مجال التكوين، وما يمكن أن تقدمه كذلك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية )بناء أقسام مجهزة( كما سجل ضعف انخراط قطاع التكوين المهني والقطاع الخاص في مجال التربية الدامجة.
وفي السياق ذاته وقف التقرير على أن التكوين الأساسي والمستمر للموارد البشرية يتسم بضعفه، إذ يفتقر البرنامج لمصوغات التكوين التي لم تنجز بعد على مستوى التكوين الأساسي في السنة الدراسية 2019 – 2020، كما سجل التقرير أن التكوين المستمر لم يحقق الأهداف التي كانت مسطرة له خلال نفس السنة مع وجود نقص في تكوين الأطر الإدارية والتربوية في مجال التربية الدامجة بشكل عام.
أما على المستويين البيداغوجي والصحي، فقد تم الوقوف على نقص في تكييف البرامج الدراسية وطرق التدريس مع نوعية وحدة الإعاقة، وذلك بالبدء في تنسيق الجهود لاعتماد المشروع البيداغوجي الفردي كما جاء في برنامج التربية الدامجة. كما لوحظ أنه لا يتم تكييف الامتحانات لكافة التلاميذ حسب نوعية الإعاقة، مما قد لا يسهم في تيسير التربية الدامجة.
كما لوحظ غياب التشخيص الطبي الأولي مع عدم تمكن الآباء من إجراء التشخيص لتكلفته العالية، أو عدم تواجد المختصين في جماعتهم الترابية، أو عدم اكتمال عملية التشخيص من طرف جميع المختصين )التشخيص الطبي والسيكولوجي والسيكو حركي وتقويم النطق(، مما يؤدي إلى تسجيل الطفل في الأقسام الاعتيادية ويستمر بها إلى حين اكتشاف إعاقته .
وبناء ملاحظاته، أوصى المجلس بإشراك مختلف الفاعلين في الميدان، وذلك من خلال تطوير آليات التنسيق والتتبع والمواكبة على المستوى الداخلي لمنظومة التربية والتكوين.
كما أوصى بالعمل على توفير الموارد المالية الضرورية لتمويل البرنامج مع الحرص على التحديد الدقيق للحاجيات وتبني مقاربة متعددة السنوات، بالإضافة إلى التسريع بإنجاز وتجهيز قاعات الموارد للتأهيل والدعم للوصول إلى الأهداف المسطرة مع العمل على تجهيز المؤسسات التربوية بالولوجيات المعمارية والمرافق الصحية، وفق المعايير التي تم تبنيها في مجال دمج الأشخاص في وضعية إعاقة.
وكان إريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمنظمة “هيومن رايتش ووتش”، قد قال في رسالة وجّهتها إلى البرلمان المغربي إبان مناقشة مشروع القانون المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة: “يتم التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة في المغرب وكأنهم محتاجون إلى عمل خيري، وليس كمواطنين متساويين، وهو ما جعلهم عرضة للاحتقار والتمييز. مشروع القانون الحالي يمنح الحكومة فرصة للشروع في تغيير هذا الانطباع وجعل المغرب رائدا في المنطقة فيما يتعلق بحقوق ذوي الإعاقة، ولكن يجب أن يكون ذلك مستندا إلى معايير حقوق الإنسان بشكل كامل”.