الرئيسية

بصمات نسوية : هاجَر المصنف.. من تفْكيك لُعبة أطفال إلى اختراع رُوبُوت 

هاجر المصنف، أول مخترعة مغربية تُطوّر روبوت مغربي الصنع مائة في المائة، هي عنوان للذكاء والعمل المثابر، أستاذة باحثة ومخترعة،  وأم لثلاث بنات. شابة استطاعت أن تصبح اليوم مثال المرأة المغربية الطموحة التي تثق بقدراتها وتفرض نفسها في أصعب المجالات وأعقدها، لتصنع بذلك اسما يجعلها اليوم مفخرة للنساء المغربيات ونموذجا يقتدى به ويحتذى بمسيرته. 

مريم أبروش

من تفكيك لعبة إلى صنع روبوت

“كنت دوما أفكك ألعابي وأفتحها وأعيد تركيبها، فقد كنت فضولية جدا تجاه ما بداخلها، و لطالما انزعجت أمي من هذه العادة”، هكذا تحكي هاجر في تصريح لها لموقع Scidev.net عن شغفها الذي ظهر منذ طفولتها. منذ نعومة أظافرها وعالم التكنولوجيا يثير شغفها، ويشعل فضولها للاستكشاف وحب الاستطلاع، فما تركت لعبة من لعبها إلا وفككتها لتستكشف ما بداخلها قبل أن تعيد تركيبها، وما استعملت جهازا إلا وأثار فضولها لمعرفة كيفية اشتغاله.

“ورثت” الطفلة هاجر “جينات” الكفاح والتحدي من والدها الذي يشتغل نجارا، وتشربت معاني الحب والعطاء غير المشروطين من أمها التي توقفت عن عملها لتتفرغ لتربية أبنائها ومساندتهم في تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، فقد كانت الأسرة خير سند لهاجر.

من محاولات الطفلة المشاكسة لفهم ما يكمن وراء ما يحيط بها من أجهزة تقنية، إلى واحدة من أهم المخترعات على المستوى العالمي عامة والمغربي على وجه الخصوص،تعد هاجر اليوم أول امرأة عربية وإفريقية تنال على جائزة “ويمين تك”  في مجال الذكاء الاصطناعي.

منتوج المدارس العمومية

تعد هاجر المصنف، منتوج النظام التعليم المغربي. فبين أسوار المؤسسات التعليمية العمومية نشأت وتعلمت، إلى أن حصلت على شهادة مهندسة الدولة في الاتصالات من معهد البريد والمواصلات بالرباط، وبعدها حصلت على شهادة الدكتوراه في المعلومات حول شبكات الاستشعار اللاسلكية وشبكات المركبات، من جامعة القاضي عياض في مدينة مراكش سنة 2012. تشغل هاجر حاليا منصب أستاذة باحثة في جامعة القاضي عياض بمراكش تخصص الذكاء الاصطناعي، كما أنها منسقة ماستر علوم البيانات بنفس الجامعة.

تحدي الأمومة والمسار المهني

بعد حصولها على شهادة الباكالوريا مباشرة، عقدت الشابة هاجر قرانها ودخلت القفص الذهبي، وتزامن حصولها على شهادة الهندسة مع ولادة طفلتها الأولى، وبعدها بسنوات رزقت بطفلتين، لتصبح بذلك زوجة وأما لثلاث بنات.

لم تعرقل المسؤوليات الكثيرة الملقاة على عاتق هاجر مسيرتها ولم تحبط معنويات المرأة المثابرة فيها، بل على العكس تماما. تقول هاجر: “كانت تلك التحديات بمثابة وقود لانطلاقي في ظل دعم أسرتي التي كانت نعم السند بالنسبة لي، وكذا زوجي الذي لم يتوان يوما عن مساعدتي ودعمي في كل خطوات حياتي”.

 حظيت هاجر برفيق درب شجعها على استكمال دراستها بمدينة الرباط، وبعدها العودة لمراكش لخوض تجربة العمل في رحاب الجامعة، ولم يمل يوما من دعمها لتواصل شغفها وتبصم اسمها في لائحة النساء المغربيات الملهمات على مر التاريخ.

اختراعات ملهمة

وكما أن القطرة بداية الغيث، كانت لبداية اختراعات هاجر قصة ملهمة. فبعد ولادتها لطفلتها الأولى، عانت من اكتئاب ما بعد الولادة، وهي حالة من الحزن والاضطرابات النفسية تُلازم  بعض النساء بعد الولادة، إذ أن عالم الأمومة ومسؤوليتها كان مستجدا على حياة هاجر، وهي التي لطالما كانت حثيثة البحث دؤوبة الحركة. كانت تمكث في غرفتها مطولا لتدخل في نوبات من البكاء، ويصل بها الأمر لتتحدث مع هاتفها ومعاتبته لأنه لا يتفاعل مع آلامها ولا يستشعر صعوبة ما تمر به. 

بعد تطوير هذه الخاصية في الهاتف الذكي، واصلت الباحثة المغربية أبحاثها ونجحت في تسجيل براءات اختراع أخرى، من ضمنها الكرسي الذكي المزود بأجهزة استشعار، التي تمنحه القدرة على تحليل البيانات والتمكن من معرفة مدى استيعاب التلميذ أو الطالب الجالس على الكرسي  للدروس والمحاضرات التي يتلقاها. من شأن هذا الاختراع أن  يشكل طفرة نوعية في النظام التعليمي وسيساعد الأستاذ في تقييم عمله وتطوير طرق التدريس والشرح.

لم يقف طموح هاجر عند هذا الحد، بل إن شغفها بعالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي جعلها تخرج للعالم بأول روبوت من صنع مغربي 100٪، وأطلقت عليها اسم “شامة”. “شامة” هو روبوت لديه القدرة على تمييز الأحاسيس وتحليل تعابير الوجه، كما يستطيع التعرف على المحيط فضلا عن الإجابة باللغة العربية عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالثقافة العامة.

و في هذا الصدد، تضيف هاجر أثناء مقابلاتها مع موقع  Scidev.net “هدفنا من شامة ليس الروبوت في حد ذاته، بل إننا استطعنا أن نضع مجموعةً من الخوارزميات في منتج واحد، ووضعنا الخطوة الأولى في مجال صعب نوعًا ما، لا تلجه معظم النساء، ويبقى حكرًا على الرجل”. 

جوائز مستحقة

وبما أن لكل مجتهد نصيب، فقد ظفرت الباحثة المغربية، هاجر المصنف، بعد منافسة لم تكن بالسهلة مع 2300 مرشحة يمثلون 180 دولة من كل أنحاء العالم بالجائزة الأولى في فئة “الذكاء الاصطناعي الشامل المندمج”، ضمن جوائز “ويمن تيك” التي تكرم النساء اللواتي حققن إنجازات دولية وإشعاعاً في مجال التكنولوجيا المتقدمة.

علاوة على ذلك، فقد سبق لهاجر المصنف أن حصلت على عدة جوائز أخرى، من ضمنها الجائزة الأولى للبحث العلمي في المغرب لسنة 2017، وتم اختيارها ضمن 5 أفضل باحثين في شمال أفريقيا. كما توجت بمجموعة من الجوائز الدولية، من بينها منحة برنامج لوريال-اليونسكو من أجل النساء والعلم عن موضوع “المعطيات الكبرى والذكاء الانفعالي الاصطناعي من خلال التكنولوجيات المحمولة”، وجائزة التميز “إيمرود ليتيراتي”.

أما في مسارها العلمي، فقد حازت هاجر على براءتي اختراع، الأولى عن “نظام محيطي للتغذية الراجعة وتقييم تعلم الطلبة”، والثانية عن “تقديم محتوى مخصص يعتمد على التعرف على المشاعر عبر الأجهزة المحمولة”.

فكرة الهجرة مرفوضة

تؤمن الشابة الباحثة أن الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، وبأن استثمار المغرب في هذا المجال ضرورة ملحة، كما تؤمن بأن المملكة المغربية تملك من الكفاءات الشابة والعقول النيرة ما يؤهلها للمنافسة على المستوى العالمي بالرغم من ضعف الإمكانيات، إلا أن الطاقة البشرية متوفرة. و تؤكد هاجر على أملها الكبير بالطاقات المغربية قائلة في تصريح لها لموقع أصوات مغربية “لدي أمل بأن الأمور في المغرب ستتطور نحو الأحسن، كما أنني أومن بأن لدينا الكثير من القدرات والطاقات التي لا تحتاج سوى إلى القليل من التشجيع والدعم”. 

وعلى الرغم من تلقيها العديد من العروض المغرية من دول وجهات أجنبية، إلا أن هاجر المصنف ظلت متشبثة بوطنها، وهي تؤثر حبه على أي عائد مادي إضافي أو أي منصب مغر، رافضة بذلك لفكرة الهجرة إلى الخارج تماما. في الوقت الذي تطمح فيه الباحثة الشابة إلى إنشاء شركة رائدة متخصصة في الذكاء الاصطناعي وتطوير الخدمات هنا بين أحضان وطنها في المغرب.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram