الرئيسية

أذكياء لكنهم ينسحبون… أطفال “الديسليكسيا”، معاناة يتقاسمها الأبناء والآباء

يشعر بإحباط شديد وسط أقرانه في الفصل الدراسي كلما اقترب دوره في القراءة،  يتزايد القلق شيئا فشيئا. ينادي عليه المـُعلّم باسمه لمواصلة قراءة ما قام به زميله بسلاسة. تبدأ عيني أحمد بالتهام الكلمة عسى أن يتمكَّن من قراءتها بشكل صحيح، وألا يخلط  بين حروفها كما يحدث في كل مرة، ترتعد فرائصه، ثم تنفرج شفتاه للنطق، لكنه لا يستطيع نطقها بشكل أقرب للصحيح، ليتعرض بعدها للسخرية من زملائه أثناء وبعد نهاية كل  فصل دراسي.

حسناء عتيب

حالة أحمد هي واحدة من بين العديد من الحالات، للأطفال الذين  يعانون من عسر القراءة “ديسلكسيا”، وهو اضطراب تعليمي ذو أصل بيولوجي عصبي حسب المتخصصين، تظهر الأعراض على الأطفال في سن المدرسة الابتدائية في الصفوف الأولى، كصعوبة تعلم الأبجدية، وصعوبة الربط بين الأصوات والحروف التي تمثلها، وصعوبة تحديد أو توليد كلمات مقفاة، وصعوبة تجزئة الكلمات إلى الأصوات الفردية، والخلط بين قبل / بعد، اليمين / اليسار، فوق / تحت، وهلم جرا.

 أما طلاب الابتدائية الكبار، فالأعراض عندهم مختلفة، تكون القراءة عندهم بطيئة وغير دقيقة، وصعوبة في الربط بين الكلمات الفردية ومعانيها الصحيحة، وصعوبة مراعاة الوقت ومفهومه.

و بسبب الخوف من التحدث بشكل غير صحيح، ينسحب بعض الأطفال ويصبحون خجولين أو يخافون من عدم قدرتهم على فهم الإشارات الاجتماعية في بيئتهم. وقد يفشل الأطفال الذين يعانون من عُسر القراءة في رؤية (وأحيانا سماع) أوجه التشابه والاختلاف في الحروف والكلمات، فقد لا يتعرف الطفل إلى المسافات بين الكلمات التي تنظم الحروف إلى كلمات منفصلة، وربما يكون غير قادر على لفظ النطق السليم لكلمة غير مألوفة.

“الديسليكسيا” أو عسر القراءة

ما المقصود بعسر القراءة والكتابة “الديسلكسيا”؟ الدكتورة زينب علوي، استشارية تطور وسلوك الأطفال ، توضح أن “عسر القراءة والكتابة” هي اضطراب وظيفي، وصعوبة تعلم تتعلق بالطريق التي يستقبل بها المخ المعلومات وينظمها ويرتبها ويخزنها ويتذكرها ويستعيدها، وعلى الرغم من الاعتقاد بأن عُسر القراءة يكون نتيجة اختلال عصبي، إلا أنه لا يُعد إعاقة ذهنية، حيث يصيب”عُسر القراءة” أشخاصاً بمستويات ذكاء طبيعية، سواء كان ذكاء متوسطا أو فوق المتوسط أو العالي، ولديهم رغبة في التعلم، ويتمتعون بسلامة الحواس الأخرى. وهذه الحالة وإن كانت مجهولة الأسباب، إلا أنها وراثية المنشأ، فقد تبين أن “الديسليكسيين” ينحدرون من آباء أو أمهات قد عانوا من السبب نفسه.

أرقام…

وزارتا الصحة والتربية الوطنية لم يسبق أن قامتا بدراسات في هذا الإطار من أجل الحصول على أرقام، لكن على مستوى الجمعية المغربية لاضطرابات وصعوبات التعلم،  حسب رئيستها “زهور قويدر” فقد قاموا بفحص ودراسات مسحية همت 12 ألف طفل متفرقين ما بين الدار البيضاء والرباط و تمارة والقصر الكبير والنواصر، وحصلوا على معدل يتراوح ما بين 12 و13 بالمائة من الأطفال الذين يعانون اضطرابات في التعلم، مع العلم أن التعرف على هؤلاء الأطفال يتطلب مراحل، هي المراقبة والفحص والتشخيص.

موهوبون ولكن…

وبحسب الخبراء الذين اتصلت بهم منصة هوامش،”فإن الأطفال المصابين بمرض الديسليكسيا هم موهوبون، وسماتهم المشتركة هي بعد النظر، وخيال خصب، والفضول لمعرفة كيفية عمل الأشياء والقدرة على التفكير والإدراك باستخدام جميع الحواس. كما أنهم خلاقون ومبتكرون للغاية، ولديهم مهارات فائقة في حل المشاكل وقدرات ذهنية جيدة. إذا كان طفلك مصابا بمرض الديسليكسيا ، فكر في هذه السمات الايجابية ووفر له كل المساعدة، لا تنظر إلى مشكلة القراءة نظرة سلبية فقط، اعتبرها فرصة لغرس الثقة في طفلك والعمل معه خطوة بخطوة لتعلم القراءة والكتابة”.

ارشيف : (AFP)

قلة الوعي 

و يؤكد الأخصائي النفسي كرم الفطواكي لمنصة “هوامش”، على أنه من “صعوبات هذه الظاهرة هي قلة الوعي بها، و مما يزيد من خطورة ظاهرة عسر القراءة أو “الديسليكسيا،” غموض أعراضها و إهمال التوجه بالطفل المصاب إلى أقرب معالج نفسي لإجراء اختبار قياس درجة الذكاء لدى الطفل ، مما يجعل العنف والإقصاء أسياد الموقف حين يتعلق الأمر بالتعامل مع الطفل المصاب، في ظل غياب الرعاية الخاصة التي تؤهله لتجاوز الصعوبات التي يعاني منها، والانخراط الإيجابي في الأنشطة الهادفة داخل القسم وخارجه”.

و يضيف موضحا :”لا توجد علاقة بين الذكاء و”الدسليكسيا”، بل على العكس تماما، نجد عند بعض من يعانون من عسر القراءة والكتابة نسبة عالية من الذكاء، وبالتالي فانخفاض هذه النسبة ليس العامل المسبب لهذه الإعاقة، فهي تصيب الشخص متوسط الذكاء ومرتفع الذكاء، كما تصيب أيضا المتخلف عقليا على السواء، لكن الاعتقاد الخاطئ بأن قصور الذكاء هو أحد العوامل المسببة لعسر القراءة والكتابة، يرجع إلى أن هناك بعض العوامل المشتركة بينه وبين التخلف العقلي، ففي الإعاقتين يحدث تأخر في تعلم القراءة، لكن الفرق أن الطفل الذي يعاني من “الديسليكسيا” يكون تعلمه للقراءة والكتابة متأخرا من سنة إلى سنتين عن تعلمها بالنسبة للطفل العادي الذي لا يعاني من هذا المرض.

المعالجة بـ”يسر” 

وأقيم قبل عام بالمركز الوطني محمد السادس للمعاقين بمدينة سلا، حفل تخرج الدفعة الأولى من المكونين في إطار البرنامج الوطني “يسر”، يهدف إلى تكوين خبراء ومتخصصين قادرين على مساعدة الأشخاص وأسرهم لتجاوز الصعوبات والتحديات التي يعانون منها، بفضل البرامج المشهود بكفاءتها ونجاعتها على الصعيدين الوطني والدولي.

الحفل نظم من طرف الجمعية المغربية للديسليكسيا بشراكة ودعم من وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة وبتعاون مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الصحة.

مشاهير ديسليكسيون

ومن الطريف أن يكون بعض المشاهير الذين حققوا نجاحات وإنجازات معينة في حياتهم، قد عانوا أعراض “الديسلكسيا”، ومنهم على سبيل المثال: “ليوناردو دافنشي”، و”وينستون تشرشل”، و”بابلو بيكاسو”، و”الكسندر غراهام بل”، و”ألبرت آينشتين”، و”محمد علي كلاي”، و”والت ديزني”، وغيرهم ممن يعانون من اضطراب وظيفي.

غموض الأعراض

وبحسب الآباء الذين تحدثت إليهم منصة هوامش، لا يعلم الكثير عن هذه الإعاقة في الأوساط الدراسية، خاصة المدارس المغربية.

و يروي أحدهم أنه، في الكثير من المرات، يتعرض ابنه  للعنف من طرف أساتذته، بسبب صعوبات التعلم، وعسر في القراءة والكتابة رغم أنهم تجاوزوا مستوى التعليم بالصف الأول.  

وتؤثر هذه الظاهرة المرضية على المستوى العام للتلاميذ، حيث يمكن أن تتسبب في الهدر المدرسي، واستنزاف الكثير من الوقت والجهد في التلقين. كما الحال بالنسبة للعديد من الحالات ممن التقينا بهم رفقة أولياء أمورهم.

فكيف يمكن لطفل ديسليكسي، أن يعيش في وسط لا يدرك معنى عسر القراءة والكتابة، خاصة وأن بعض المعلمين على وجه الخصوص يعتبرون هذا العسر كسلا أو غباء، وفي أغلب الأوقات يكون التوبيخ والاستهزاء وسيلة يخفون فيها فشلهم وعجزهم في التربية والتعليم.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram