سجل مستشفى القرب بمدينة امزورن عشرات الوفيات بسبب فيروس كوفيد 19، أغلب هذه الوفيات كان يمكن إنقاذها لو توافرت بنية صحية سليمة ومناسبة قادرة على استيعاب كل الحالات الواردة على المستشفى، لكن مع ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا بالتزامن مع فصل الصيف، انهارت قدرات المستشفى الوحيد بالإقليم الذي خصصته السلطات حصرا لمرضى كوفيد، مما استدعى إنشاء مستشفى ميداني للسيطرة على الوضع، لكن بعد أن فتك الفيروس بعشرات الضحايا.
لم تمض إلا سنتين على تدشين مستشفى القرب بامزورن، في إطار مشاريع “منارة المتوسط” والذي كان قد خصص له حوالي 63 مليون درهم، بطاقة استيعابية تتسع لـ 54 سريرا بالإضافة الى 10 أسرّة للانعاش، واربعة للاستعجالات، وكان من المفترض أن يفتح أبوابه في وجه المرضى أواخر سنة 2017، لكن افتتاحه تأخر سنتين على الموعد المحدد، بسبب عدم اكتمال الأشغال في الوقت المحدد، اذ لم يفتح أبوابه في وجه المرضى الا أواخر سنة 2019.
ومع ظهور وباء كورونا، قررت السلطات تخصيص مستشفى القرب بامزورن لحالات كوفيد 19 في الاقليم، وكانت الأمور في البداية تسير بشكل عادي، لكن مع صيف 2021 سيعرف المستشفى انهيارا تاما، مما دفع السلطات الى فتح مستشفى محمد الخامس بالحسيمة لحالات الاصابة بالفيروس، ورغم ذلك أصبح الوضع الصحي مقلقا في شهر غشت الماضي حيث وصلت عدد الوفيات وعدد الاصابات الى الذروة، وهو ما جعل مستشفى القرب بإمزورن ومستشفى محمد الخامس بالحسيمة تحت ضغط الحالات الوافدة عليهما، بالقدر الذي جعل مرضى كوفيد يختلطون مع حالات المرض الاخرى احيانا في نفس قاعات الاستشفاء والفحص، ومع بداية شهر شتنبر لجأت وزارة الصحة إلى إنشاء مستشفى ميداني يسع لـ 100 سرير في محاولة للسيطرة على الوضع بعد زيارة وزير الصحة للمنطقة.
سجل إقليم الحسيمة في شهر غشت الماضي ارتفاعا مهولا في عدد الإصابات وحالات وفيات مرضى كوفيد، فحسب إحصائيات وزارة الصحة، سجل الإقليم في شهر غشت الماضي 114 حالة وفاة و2934 حالة إصابة، من بين 7800 حالة اصابة و250 حالة وفاة سجلها الإقليم منذ بداية انتشار الوباء الى حدود نهاية غشت 2021، مما يعني أن شهر غشت لوحده سجل ما يقارب نصف عدد الإصابات ونصف عدد حالات الوفيات منذ بداية انتشار الوباء قبل حوالي 17 شهرا.
هذه الارقام شكلت ضغطا مهولا على القطاع الصحي بالإقليم الذي يعيش وضعا مترديا منذ سنوات.
في هذا الصدد نشرت الطبيبة وداد ازداد، وهي طبيبة في مستشفى محمد الخامس في الحسيمة بقسم الاشعة، تدوينة على صفحتها الفايسبوكية يوم 18 غشت، جاء فيها: ” عندما أمر بالمستعجلات هذه الأيام أصدم كغيري من موظفي المستشفى لأن الوضعية كارثية وغير مسبوقة.. فحجم الازدحام وتقاطر عشرات الحالات التي تعرج على المصلحة من دون انقطاع (ليجدوا طبيبا أو اثنين فقط) يثيران القلق والخوف، حيث ندرك فعلا أننا في حالة حرب… أما مصلحة الأشعة فليست بأحسن حالا، حيث أصبحت تتنفس على إيقاع صوت شهيق بعض المصابين وهم يجاهدون لاستخلاص قليل من الأوكسيجين أثناء فحص السكانير…”
إن الوضع الكارثي الذي عاشه الإقليم مرده، حسب تتبعنا للموضوع في منصة “هوامش”، إلى سببين رئيسين: ضعف التجهيزات الصحية وتدهور الخدمات ثم تردد المرضى في زيارة المستشفى خوفا على حياتهم.
يمكن الإشارة إلى معطيين دالين يتعلقان بمستشفى القرب بامزورن يكشفان حجم التسيب الذي يعرفه قطاع الصحة، اذ ان المستشفى افتتح أبوابه قبل سنة ونصف بـ10 أسرّة للإنعاش، غير أنه في شهر غشت عندما كان المستشفى في أمس الحاجة الى اسرّة الإنعاش، لم يتبق إلاّ 8 منها بعد أن أصبح سريران غير صالحين للاستشفاء. من جهة أخرى وفي نفس السياق، وحسب ما أكده (م.س) الذي يشتغل بذات المستشفى لمنصة “هوامش”، فإن المستشفى، الذي كان غاصا بمرضى الفيروس، عاش يوم 28 غشت كابوسا حقيقيا، إذ نفذ مخزون الأوكسجين حوالي منتصف الليل، ولم يتم تزويد المستشفى بهذه المادة الحيوية إلا في اليوم الموالي حوالي الساعة السادسة مساءً، مما يعني بقاء مستشفى مخصص لمرضى الكوفيد لما يزيد عن 18 ساعة بدون أوكسجين، وهو الوقت الذي فارق فيها الحياة 8 من نزلاء المستشفى.
بسبب الوضع الكارثي الذي عاشه المستشفى دفع العديد من المرضى إلى الامتناع عن الذهاب إليه للاستشفاء، وفضلوا البقاء في منازلهم والتعاطي للتطبيب الذاتي، مفضلين عدم الذهاب إلى مكان سارت الناس تصفه بـ”الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود”، خاصة مع إحجام وزارة الصحة والسلطات المعنية عن التواصل بشكل يومي مع المواطنين على وضع المستشفى وأرقام الوافدين عليه وكذا الذين تلقوا الإسعافات وتمكنوا من التغلب على الفيروس، كل هذه المعطيات كانت فريسة الإشاعة وما تلوكه الألسن وهو ما ساهم في الوضع الكارثي، إذ أصبح المرضى لا يقصدون المستشفى إلا بعد أن يكونوا في حالات متقدمة من الإصابة جراء مكوثهم في منازلهم بعد الإصابة.
بعد الوضع الكارثي الذي وصله الإقليم تهادى بعض أبنائه في أوروبا من أجل المساعدات وشراء اجهزة الاستشفاء المنزلية، وتمكنت بعض المبادرات من توفير أجهزة التنفس للعديد من حالات الإصابة وكذا من توفير الأدوية المفقودة، لكنها في المجمل تبقى مبادرات إنسانية، تحاول التخفيف من هول الكارثة، ولا يمكن لها أن تقدم حلاّ لمثل هذا الوضع الذي يحتاج بنية تحية واللوجستيك اللازم.
البحث عن هذا الحل، هو ما طرحه حراك الريف بقوة (2016/2017)، إذ كان من بين المطالب الأساس للحراك؛ بناء مستشفى قادر على استيعاب الحالات المرضية بالإقليم، وكذا ضرورة توفير التخصصات الضرورية لمساعدة الساكنة على عدم اضطرارهم للسفر إلى وجدة وفاس والرباط، لكن للأسف كان جواب الدولة هو اعتقال المحتجين والحكم عليهم بقرون من السجن.