مع اقتراب الدخول المدرسي بالمغرب، وإن تأجل لمرتين إلى فاتح أكتوبر تتذكر أجيال كثيرة ذكريات دخول مدرسي في هوامش المدن والقرى، دخول يختلف كثيرا عن الدخول المدرسي الحالي، وبقيت ذكرياته عالقة في أذهان كل من مر بتلك التجربة قبل عقود.
أول ذكريات الدخول المدرسي قديما، ورقة بيضاء مطوية، يتم قطعها “نتفا” من دفتر قديم. يقوم التلميذ بطيها كثيرا، أحيانا على ثمان مرات أو أكثر، ويتم شد جزء منها بسدادة قلم أزرق؛ يجب أن يكون القلم الجاف أزرقا أو أسودا على أقل تقدير، ولا يمكن أن يكون أحمرا، فذلك اللون محجوز للمعلمين والأساتذة، هم من يملك حق استعماله والكتابة به في الدفاتر.
يتنظر التلاميذ في باحات المدرسة وبجانبها قدوم المعلمين لفتح الأقسام والدخول، فغالبية المدراس عبارة عن حجرات مفككة ولا سور يفصلها عن القرية، وكثيرا ما يهرب حمار لفلاح ويتبع إلى أن يمسكه بين هذه الحجرات.
أما تلك الورقة المطوية فقد كانت بغرض أن ننقل عليها الأدوات المدرسية الخاصة بتلك السنة الدراسية، ونقدمها لآبائنا وقت الغذاء بعد عودتهم من صلاة الظهر. وإن كانت تلك اللوائح بسيطة ليست كالأدوات التي تطلبها المدارس في وقتنا الحالي، فقد كان الآباء ينظرون إلى هذه الورقة المطوية كذعيرة من المخزن، ضريبة سنوية مكتوبة بخط اليد، يحرص الآباء الذين وعوا أهمية المدرسة مبكرا، بأن يشتروا محتوياتها في أول سوق. فيما يتخلص منها بعض الآباء في جيب سروال أو قب جلباب وقد يرمونها في أي مكان مرددين في دواخلهم وكم من حاجة قضيناها بتركها. مع ذلك، فذلك لا يعفي الآباء أبدا من أداء فاتورة تلك الورقة المطوية، فالمعلم سوف يعاقب كل تلميذ لم يحضر أدواته فيظل التلميذ يذكر أباه قبل كل سوق إلى أن يشتريها.
وحدهم الذين ولدوا في السبعينيات والثمانينيات يتذكرون فضل أكياس الإسمنت الفارغة عليهم، فهي التي يتم استعمالها لتغليف الكتب والكراسات، والغلاف كان سميكا يحفظ الكتب من التلف، وكانت به ميزة أهم، هي أن طي جنباته بشكل جيد يعفي أمهاتنا من استعمال “السكوتش” أو أي لصاق آخر. لقد كان ذلك الغلاف سميكا مثل جلد المعز الذي تصنع منه الدفوف، وهذا يتيح للكتاب أن يُستعمل ليس طوال السنة فحسب، بل أن تنتقل ملكيته لأخيك الأصغر بعد أن انتقلت الملكية إليك من أخيك الأكبر، ومن ابن عمك وهكذا.
لم يكن مؤلفو الكتب المدرسية يتركون أماكن في الصفحات ليكتب عليها التلاميذ، أو للتلوين، لذلك كان الكاتب قابلا للاستعمال لسنوات طويلة، ما لم يتم تغيير المقرر، وهو أمر نادر الحدوث، ليس مثل السنوات الأخيرة. لم يكن التلاميذ يكتبون خربشاتهم أو يرسمون قُلوبا داخل صفحات الكتب. لم يكن أحد يتجرأ على فعل ذلك، وإذا ما وجد المعلم خربشة في كتابك أو بقعة زيت، سقطت سهوا وأنت تراجع، فستأكل من الضرب والصفع ما لم يأكله الطبل يوم العيد. لكل ذلك يكون ما بين الدفتين نقيا، أما غلاف الكتاب فقد كان ورق كيس الإسمنت قادر على حمايته كما يحمي الاسمنت أسقف المنازل من مياه الأمطار.
قد تسمع الآن عن آباء يشترون محفظة كل دورة دراسية، أو محافظ كثيرة في السنة، يختار الطفل المحفظة التي يحب، وإذا ما اشتراها أب “على ذوقه”، فقد يضطر لإعادتها للبائع، فالخيار للأطفال والتلاميذ، ولهم معايير، وحدهم يعرفها، مرتبطة بالإشهار والبرامج والأفلام والشخصيات المشهورة في هذا الزمان. وقد تجد طبقة أخرى يستعمل فيها الطفل محفظة بحسب ملابسه، فإذا ارتدى بدلة زرقاء يختار لها محفظة مناسبة، وهكذا، لكن حديثنا عن عقود خلت، جيل إذا ما قدر الله واشترى محفظة فيستعملها لسِت سنوات على الأقل، أما البقية، فمحفظتهم عبارة عن كيس بلاستيكي، وهناك من يجمع أدواته في كيس أزرق المخصص للقمح. الأغرب أن تعمل أم على إضافة “يدين” لغلاف مخدة لاستعماله كمحفظة، ولا غرابة ما دامت الحاجة ام الاختراع، فالأمهات يخطن أكمام الملابس القديمة للحصول على جوارب للأرجل، وكثير من الرجال قاموا بخياطة سراويل لهم من كيس الدقيق الممتاز، ويكون الأمر مضحكا عندما يضطر لرفع جلبابه فتقرأ على مؤخرته ” الوزن الصافي 50 كيلوغرام، المطاحن الكبرى لأيت ملول”!
(بقلم: ميمون ام العيد)