الرئيسية

مغاربة أفغانستان.. من مساجد الضواحي النائية إلى كابول الأفغانية

نجحت حركة طالبان منذ بداية مناوراتها في الدخول إلى القصر الرئاسي في كابول بحر الأسبوع الماضي، ومنذ 27 سنة من تأسيسها عملت على الاستقطاب الإيديولوجي والميداني للعديد من الشباب في دول كثيرة ومن بينها المغرب. مغاربة هاجروا من المساجد النائية إلى كابول حاملين معهم حلم "الجهاد الإسلامي" منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى أن انتهى بهم المسار في السجون المغربية مرورا بمعتقل غوانتانامو الرهيب.

مًنذ عام 1980 بدأت العَلاقة المُبهمة بين المغْرب وحركة “طالبان” حيتُ هاجر المئات من المغاربة الشّباب من المُدن الصغيرة والقرى النائية إلى مداشر باكستانية وأفغانية للمشاركة في “الجهادُ المُقّدس” ضد “”الاتّحاد السوفياتي” أنداك.  ولم تكن السُّلطات المغْربية حينها معترضة على فكرة “التطرف” تلك، والتي كان يحملها جلهم طمعا في التواب والإكراميات.

وبدعم من الولايات المتحدة الأمْريكة، سهّلت الحُكومات العربية والشمال أفريقة، تدفق “المجاهدين” إلى أفغانستان، إذ كانت تتضايق من الوجود الروسي في المنطقة المعروفة بتوتراتها منذ نهاية السّبعينات من القرن الماضي ولم تهدأ إلى اليوم. ومنذ حوالي 40 سنة دخَل الجهاديون المغاربة إلى معسكرات تدريب لخوض حرب أشرفت الولايات المتحدة الأمريكية على كواليسها وسَهرت العربية السُّعُودية على إلباسها ثوب الدّين تحت غطاء “الجهاد الإسلامي المقدس” ولم ينفذها على الأرض سوى الكثير من الشباب القادمين من مختلف المناطق العربية والأفريقية. لقد سمح للمغاربة منهم اجتياز الحدود المغربية للمشاركة في تداريب عسكرية وراء جبال “تورا بورا” الأفغانية.

محمد ضريف المتخصص في الحركات الإسلامية كان قد أشار إلى أن أمريكا دعمت خططا باكستانية لجلب مقاتلين من كل أنحاء العالم ذرءًا ”للخطر السوفياتي” تحت غطاء الإسلام. ورغم أن المغاربة لم يلعبوا أدوارا قيادية في التنظيم الجهادي إلا أنهم كانوا من بين اللبنات الأساسية في صفوف المقاتلين إلى حين تأسيس “الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية” في أفغانستان أواسط التسعينيات. والتي لعبت دورا مهما إلى جانب حركة طالبان التي أسست بدورها الإمارة الإسلامية في أفغانستان سنة 1996، كما يقول محمد مصباح الباحث المتخصص في الحركات الجهادية، ويضيف أن “نجاح طالبان في توحيد أغلب المناطق الجنوبية والغربية لأفغانستان ذات الأغلبية البشتونية تزامن أيضًا مع رجوع أسـامة بن لادن من الســودان في نفس السنة، وبيعته لأمير حركة طالبان، الملا عمــر. وقد أدى اســتقرار ابن لادن في أفغانســتان إلى رجــوع العديد من الجهادين العرب، وضمنهم المغاربة، وقاموا بافتتاح معســكرات للتدريب. وبالإضافة إلى أولئك الذين بقوا في أفغانستان، وصل آخرون من جهات مختلفة من المغرب ومن أوروبا.

مغاربة أفغانستان.. بداية الالتحاق “بالجهاد”

منذ ظهور الحَركة الحنَفية “طالبان” سنة 1994، بولاية قندهار وهي حركة طُلابية جهادية أسسها الملا محمد عمر مجاهد عرفت المنطقة تحولات كبيرة خاصّة بعد انطلاق التعبئة الأيديولوجية في الكثير دُول شمال أفريقيا ومنها المغرب.

ونحج عبد الله عزام قائد “طالبان” في استمالة العديد منهم  إلى “أرض الجهاد في سبيل الله” بخطابه الحماسي. وقد استعمل خطاب تعبويا ينبني على خطة تحرير “الأراضي الإسلامية” من المحيط إلى الخليج، أو عبر ما يسمى تلك الفترة “بمؤسسة الخدمات”، التي نجح من خلالها باستقطاب العديد من المتطوعين المتحمسين إلى نيل رضا “صَحاَبَة الثمانينيات”. كانت خطبه وكتبه التي أصدرها تروّج في الجلسات الدينية في عدد من المساجد المغربية.

سنة 1989 كانت سنة فارقة حيثُ وثّقت عدد من الدراسات والشّهادات أنها ”عام الالتحاق الكبير” للمغاربة من أجل تأسيس تيارات جهادية ستحتويها فيما بعد حركة “طالبان” في باكستان وأفغانستان.

وغادر متطوعون مغاربة تحت أعين السلطات التي كانت تشجعهم على الالتحاق حينها. وسرعان ما انقلبت اللعبة بعد تفجيرات 11 سبتمبر، وتحولوا إلى إرْهابَيين مغْضوب عليهم. حكم عليهم بالسجن لمدد طويلة ومنهم من مرّ عبر جحيم سِجن غوانتانامو الرهيب. وشرع الجهاديون المغاربة في الالتحاق بالجهاد الأفغاني بين 1989 و2001 وكان أبرزهم من أبناء الحركة الإسلامية تمت تعبئتهم في المساجد النائية والجامعات.

مغاربة أفغانستان.. لعبة مخابرات دولية

قرّر عدد من مَغاربة أفغانستان الرحيل والاستقرار بشكل نهائي في “إمارة طالبان الإسلامية” للاشتغال في الإسعاف والتغذية وحمل السلاح، كانوا وقودا لحرب دولة وأهلية تحركها الولايات المتحدة. وكان الالتحاق بأرض الجهاد قبل الأحداث الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001، أمرا يفتخر به كل من غادر ”أرض الكفر” إلى الإمارة الإسلامية، ولم يكن معظمهم يخفي سرّا. بل كانوا يتفاخرون بكونهم رحَلوا إلى أرض “الجهاد “.

 وكان الصحفي عبد اللطيف العزيزي، قد كشف في تحقيق أنه من خلال شبكات “Safari Club”  كانت الأجهزة المغربية – تتعاون خلال فترة الدليمي،  منذ 1976، مع أجهزة استخبارات غربية أخرى، بقيادة وكالة المخابرات الأمريكية، لإنشاء شبكة مغربية لـ “الجهاد” في أفغانستان للمساهمة في هزيمة الاتحاد السوفييتي الشيوعي حيث كانت الحركات الماركسية اللينينية تكبر في صفوف شباب المنطقة المغاربية والعربية وكان ذلك في مصلحة الأمريكان. و”مارست الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت ضغوطا كبيرة على جميع الأنظمة العربية، بما في ذلك المغرب، لتسهيل خروج شبابها إلى أفغانستان”. 

وحصل العديد من الشباب المغاربة المتطرفين على الضوء الأخضر من شخصيات سياسية مغربية بارزة للقيام بهذا العمل “الإنساني” الذي شجعه الأمريكيون.  وكشف أحد العائدين من جحيم أفغانستان أنذاك أن إدريس البصري أشرف على تجنيد الشباب القادمين من المداشر والقرى  في عدد الجامعات،  ورخص حسب العزوزي لعمل “الجمعية المغربية لدعم جهاد الشعب الأفغاني”. التي كان يرأسها  شخصيا عبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية.

وحينها لعبت جماعة الدعوة والتبليغ دورا هاما في التعبة في المغرب، والتحق العشرات من الشباب منهم  يونس شقوري إلى تلك الدعوات، ورحل شقوري، الذي كان أخر معتقل  مغربي في سجن غوانتانامو  قبل أن تسلمه الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب، إلى باكستان عام 1990، من الحدود البرية الجزائرية، ومنها إلى مصر تم ليبيا إلى كاراتشي ثم إلى بيشاور على الحدود الأفغانية. هناك وجد شقوري بعض المغاربة الحالمين بإقامة دولة الخلافة، إلى جانب العديد من الجنسيات العربية الأخرى خاصة المصرية والسعودية.

بعض التقديرات غير الرسمية تقدر عدد مغاربة أفغانستان بين 600 و1000 متطوع التحقوا منذ نهاية الثمانينات إلى حدود 2001. مثل أحمد رفيقي الذي سافر إلى أفغانستان عام 1989 للمشاركة في الحرب بين الفصائل المتناحرة بعد رحيل السوفيات ويشتبه في أنه كان كبير ممرضي بن لادن. 

لم تجد وكالة المخابرات المركزية، من خلال الخدمات المغربية، صعوبة في نشر الدعاية الجهادية في الكليات والمساجد النائية في المملكة. شرائط فيديو وتسجيلات صوتية وخطب نارية وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تتمتع بصلاحيات كاملة لمرافقة الآلة الأمريكية.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram