الرئيسية

في يوم المهاجر.. ذكرى “موغا فيلكس” الذي انتقى “الأكباش وسط الأغنام” للعمل في “فحم اللورين”

بين 1963 و1980 جاب موغا فيليكس القرى في سوس والجنوب الشرقي، يختار الشبان الأقوياء الذين يستطيعون العمل في ظروف سيئة بأعماق مناجم الفحم شمال فرنسا. نظر في عيون ما يزيد عن مليون مغربي. قاس أطوالهم وأوزانهم فقد كانت له معايير منها أن يكون عمر العامل أقل من 30 سنة ووزنه أكثر من 55 كيلوغراما. كما فرك أيدي الكثير منهم بأصابعه فهو يبحث عن أياد خشنة تصلح للعمل في الفحم. اختار منهم 66 ألف عامل من أقوياء تلك الفترة عضليا.

مناجم “الشاربون”

فيليكس المولود في 1926 نواحي ليل الفرنسية، اشتغل عسكريا فرنسيا لسنوات، قبل أن يعمل لصالح مناجم بلاده لتوفير اليد العاملة القادرة على العمل في غيران الشاربون.

إلى جانب الكشوفات الطبية التي كان مرافقوه يجرونها على عشرات الآلاف من العمال بحثا عن الأقوياء، فقد كانت تلك الطوابير في الشمس الحارقة أو البرد القارس نصف عراة بمثابة اختبار على التحمل والصبر. ليختار من سيتجه إلى مراكش أو أكادير لاستكمال الإجراءَات ثم بعدها الدار البيضاء للسفر عبر البحر نحو فرنسا حيث العمل في المناجم ينتظرهم، كما تنتظرهم الكثير من الأمراض الرئوية أيضا.

هؤلاء المهاجرون الذين قضوا زهرة عمرهم في المهجر، فيهم من قضى نحبه بسبب أمراض مزمنة في ظروف الشغل، ومنهم من ترك الشغل في الفحم واتجه لمجالات أخرى، ومنهم من عاد هاربا إلى مسقط رأسه بعد شهور فقط، لكن الغالبية الكثيرة استطاعت أن تحسن من ظروف عيشها بفضل هذا العمل كما استطاعت أن تغير محيطها، فالأجور كانت منخفضة وقتها في المغرب وبالكاد تسد الرمق.

طابع الخير وطابع العار

يحكي الناس الذي عاصروا هذه الحقبة أن الشبان كانوا ينتظمون في طوابير طويلة، حيث يأتون من كل فج عميق عندما يعلمون بوجود موغا فيليكس في هذه القرية أو تلك.  وبعد الفحص الصحي والنظر في العيون بتركيز قوي وفرك اليدين وقياس الوزن وغير ذلك للشبان الذين يقفون نصف عراة، فإما طابع أخضر يعني القبول والهجرة نحو فرنسا وإما طابع أحمر يعني الرفض والمكوث في القرية عرضة للنكت وسخرية النساء والأقران. حيث خلدت الأشعار والأهازيج الشعبية في الجنوب هذا الرجل الذي قلب حياة الناس رأسا على عقب. تقول شاعرة بأنه “أفرغ القرى من الرجال”، وأخرى تغدق عليه اللعنات وتتمنى له سوء العاقبة بعد أن أبعد حبيبها عنها وقطع به البحر نحو البلاد البعيدة. وهي تحسب في شعرها الذين اختارهم موغا بأنهم من الأموات، ولم تجد شاعرة من نواحي ورززات سوى موغا فيليكس لتهجو به شابا تقدم لخطبتها، فتنتقص من قيمته ورجولته، وهي تصفه بأنه من الذين تخلص منهم موغا فيليكس، “مَامِيتْصْلْحْ القلدة نْك ولاَ الهِيبِّي نْك هَانَاوْدْ مُوغَا وْرْكْنْ إِيرِي”، أي ما معناه، “ما جدوى قامتك وتسريحة شعرك فحتى موغا لا يرغب في خدماتك”.

موغا يتعقب العائدين

في شريط قديم لقناة فرنسية يعود لسنة 1989، سنوات قليلة قبل أن يتوفى موغا فيلكس سنة 1994، عاد موغا إلى سكورة وورزازات لتعقب مجموعة من المهاجرين الذين سبق أن شغلهم في المناجم الفرنسية، وعادوا بعدها للمغرب منهم متحدث في ذات الشريط قال بأنه قضى في فرنسا 13 سنة من العمل في أعماق 1300 متر وفي ظروف صعبة، لكنه عاد واستثمر في مصبنة بورزازات. قصص كثيرة لأشخاص قضوا زهرة شبابهم في فرنسا ثم عادوا بعدها لمزاولة أعمال أخرى بالمغرب.

رغم مُرور ما يزيد عن نصف قرن عن قضية موغا فيلكيس الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، فما تزال الذاكرة الجماعية تحتفظ بسيرته وكيف غير حياة الكثيرين وذكرته النسوة في أشعارهن ورددت إسمه في الكثير من الأبيات الشعرية، إن مدحا أو هجاءً، ولعل أشهرها ما قالته شاعرة مجهولة بأن في “وسط القلعة اختار موغا الأكباش وسط الأغنام”، إذ قالت بالأمازيغية “أماس ن القلعة أڭ إختار موغا إزامارن إوولي”.. وهي بذلك تقصد تلك الاختبارات التي أجراها على الشبان ليختار الأقوياء والأصحاء في قلعة مڭونة، ويترك الضعفاء الذين بحسبه لا يستطيعون العمل. حيث شبهت الأقوياء بالأكباش الذكور فيما الضعفاء الذين لم يحالفهم الحظ شبهتهم بـ”الأغنام”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram