الرئيسية

“تغنانت” والقبلية والمصلحة الخاصة.. هكذا يصوت مغاربة الهامش

صيف هذه السنة سيكون ساخنا، ليس فقط من حيث ارتفاع درجات الحرارة الملحوظ، لكن أيضا للصراع الانتخابي الذي يحتدم ونحن نشهد صراع الانتخابات المهنية وقبل شهر من الاستحقاقات التشريعية والمحلية المرتقب عقدها في شتنبر ما لم يتم تأجيلها بسبب الوباء.

لم تتجاوز المشاركة في انتخابات أعضاء الغرف المهنية على الصعيد الوطني، عتبة 50%، حيت سجلت 47,24 مقابل 43% خلال موسم 2015. وشارك 882 ألفا و736 ناخبة وناخبا، في7 آلاف و178 مكتبا للتصويت. وكعادتها لم تخلو الانتخابات المهنية من وقائع تشكك في مصداقية الاقتراع، حيت أصدر وكيل الملك بمدينة كلميم بلاغا لمباشرة تحقيق للإشتباه في منح رشاوي للناخبين من طرف مرشح ببلدية كلميم.

وعلى غرار واقعة مدينة كلميم تعرف الانتخابات المهنية عدد من السلوكات التي تشكك في مصداقيتها خاصة ما يتعلق بسلوك الناخب المنحدر من المناطق النائية، وكان الباحث المصري الدكتور عماد عبد اللطيف، قد أنجز دراسة منذ سنوات كان قد عنونها بـ”لمن يصوت المصريون؟”، سوف نحتفظ بأغلب المصطلحات التي استعملها من أنواع التصويت الثمانية، لكن سوف نقوم بشرحها لتلائم هوامش الجنوب الشرقي، وربما الأمر نفسه بالنسبة للمجالات القروية وشبه القروية في المغرب كله.

وقسم هذا الباحث صاحب مفهوم “بلاغة الجمهور” أنواع التصويت إلى 8 أقسام. يتحدث أولا “تصويت العُميان” وهو تصويت منتشر في القرى والأحياء الشعبية يرتكز على مبدأ اليد في اليد، وهو نوع من التصويت منتشر في المنطقة باسم “تاغنانت” و “أفوس ڭوفوس” و “والله نسنعاتاسن مايد سوان أيت فلان”.. لدرجة أن المصوتين لا يعرفون أحيانا لمن يصوتون ولا من يكونون ولا مهنهم.

فالسلوك التصويتي في هذه الحالة يتبناه عدد كبير من غير المتعلمين أحيانا لا يعرفون حتى المنصب المتبارى حوله. ولو اختليت بشخص مصوت لوحده وقلت له: من يكون مرشحك المفضل، وماهي مميزاته لما وجد جوابا، يكفي أن أيت تقبيلت طالبوا بالتصويت عليه، إنه تصويت قبلي غالبا. ويكون المصوت مثل كفيف يأخذ بيده شخص من العائلة أو “من الأعيان” ويملي عليه على من سيصوت، فيصوت بشكل أعمى.

أما “تصويت القُطعان”، فالسلوك التصويتي هنا مبدأ مبني على مبدأ السمع والطاعة، وهو منتشر عند بعض الجماعات الدينية والتيارات التي تعتمد على هذا المبدأ، حيث إن حرية الفرد لا تناقش، ولا مجال لرأي الفرد في التعبير عن حقه. وهو تصويت موجود في بعض الدواوير التي يعتمد فيها التصويت على طاعة أمغار وشيخ القبيلة، وهو الذي يحدد لمن الصوت، أحيانا يعمد تجار الإنتخابات في الليلة التي تسبق يوم الاقتراع على شراء الأصوات عند الشيخ فقط، فيصدر أمره المطاع للجميع، فيتم التصويت، وإن ليس بنسبة مئة في المئة لكن الغالبية ترضخ. لكن أتباع الأحزاب الدينية عموما هم أكثر انضباطا لهذا النوع من التصويت.

و”تصويت الجوعان”، أي “تكرم تُوغمست”، حيث يتم إطعام المصوت مقابل صوته، إما عن طريق وليمة، أو مقابل مادي، قديما يتم تقديم ألوان المنافسين للتأكيد على أن المصوت قام فعلا بالتصويت، ومؤخرا يقدم البعض على تصوير الخانة التي يتم فيها وضع العلامة لتأكيد أنه صوتَ لشخص ما ليأخذ مقابلا ماديا لقاء تصويته، وهناك طرق كثيرة للتحقق بين بائع الصوت ومشتريه. هنا يتدخل سماسرة الإنتخابات لتحديد ثمن الرأس الواحد، لكن ثمن الأصوات القابلة للبيع في الهوامش في الانتخابات السابقة بين 200 درهم و500 درهم للرأس.

في هذا الصدد هناك من الفقهاء في مصر من أفتى بجواز أن تأخذ مقابلا عن كل من يعرضه عليك، وتصوت على الإخوان! وهنا لا ننصحكم بهذه الفتوى، بل يمكن أن يتم استثمارها، فتأخذ مقابلا عند من من يعرضه، وتصوت وتصوت على من تراه مناسبا!

ثم “تصويت الغفلان”، هو تصويت مبني على مبدأ “أباحلونو..” أو بتعبير أدق ” كاتبغيني، مكاتبعتينيش ونزع وريقات الورد”، يعني أن المصوت يدخل للمكان المخصص للتصويت ويقرر في اللحظة الأخيرة لمن سوف يصوت على حساب الڭانة.

 و”تصويت الغضبان”، حيث يذهب المصوت ويدخل نحو القاعة المعزولة وينظر في وجوه المرشحين، وهم يرتدون ربطات العنق، ويقول في نفسه شوف هاذ أولاد ال.. غير ديال العصا، فيقوم برسم علامة  X على الجميع، وهو يردد سيرو …والله ما نصوت على عليكوم

أما القسم السادس فهو “تصويت الطمعان”، وهو تصويت تقدم عليه مجموعة من الساكنة حفاظا على مصالحها، مثلا بعض أرباب الشركات في الجنوب الشرقي لديهم أشخاص يديرون شركات صغيرة يستفيدون من “السيتريتونص”، فكيف لشركة تشغل مئة عامل مثلا تستفيد من مشروع بستمية مليون تأخذه عند صاحب شركة كبيرة أن تعصي أوامره، لذلك يضع هذا النوع من الشركات سياراتهم بسائقيها وشيفانهم وعمالهم في خدمة المرشح، يستفيدون من المازوط، ويستفيد العمال من الأجر حتى تمر الإنتخابات، وإلا سوف يفقد صاحب الشركة الصوطريطونس، ويفقد العمال العمل. هناك أرباب شركات كبيرة يشغلون آلاف العمال، إذا صوتوا وصوت أهلهم سوف يكسب “الباطرون” الانتخابات، انطلاقا من مبدأ تصويت الطمعان.

في القسم السابع نتحدث عن “تصويت الخوفان”، وهو مرتبط أشد الارتباط بتصويت الطمعان، وإن كان الطماع يرغب في مكافأة، فالخائف يخاف من عقاب، لذلك يمكن القول أن الطمعان هو صاحب الشركات الصغيرة، والخوفان هو العامل الذي يشتغل عنده ويخاف على منصبه وقوت أولاده. ثم في المرتبة 8 تأتي نسبة قليلة تصوت عن قناعة، وتختار مرشحها عن استحقاق، بناءً على شواهده وخبرته وأخلاقه، إلا أن هذا الصنف غالبا لا ينجح في الانتخابات. فالذين يصوتون بناءً على هذا المبدأ الأخير هم قلة قليلة لا تتيح الظفر بالمقعد المتباري حوله.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram