مصطفى ملو
أقراب في المقام الأول بنك متنقل، ففيه يضع الرجل ما يحتاجه من مال للتسوق وقضاء أغراصه ورد ديونه، كما أنه في المقابل بمثابة صندوق لإيداع ما يتسلمه ممن له عليهم قرض أو من باع لهم بالطلق في انتظار وصوله إلى منزله لوضعها في صندوق محكم الإغلاق يوجد في غرفة مقفلة لا يلجها غيره وفي أحسن الأحوال زوجته التي يمنع عليها منعا باتا الاقتراب من “البنك المركزي”.
إلى اليوم وبين صفوف الشباب يسمى من يملك أموالا طائلة أو المكلف بتدبير خزينة أو صندوق ما أو المسؤول عن دفع أجور العمال في ورش ما؛ “بو وقراب” التي يقابلها بالدارجة المغربية “مول الشكارة”، وبناء عليه فإنه كلما اقترب موعد مجيء المكلف بدفع الأجور إلا وألفيت عمال الورش يتهامسون ويتساءلون؛ هل حل “بو و قراب”؟ لا أدري إن كان “مول الشكارة” سيأتي اليوم أم غدا؟
لم يقتصر استعمال وصف “بو وقراب” أو”مول الشكارة” على الجانب المالي المحاسبي فقط، بل امتد مؤخرا إلى المجال السياسي، حيث أصبح يطلق على الشخص الذي يجمع بين المال والسلطة وعلى الذي يستعمل المال للوصول إليها.
لا تقتصر وظيفة ” أقراب” على الجانب المالي البنكي فقط، بل هو كذلك اداة للزينة التي لا تكتمل رجولة الرجل إلا بها، حتى حق لنا أن نصفه بأنه من الحلي الرجولية التي لا يستغنى عنها إلى جانب العمامة والخجنر طبعا، لذلك فإن صانعيه لا يذخرون جهدا في التفنن في زخرفته حتى يكون حامله في مظهر لائق وجميل، إنه بمعنى آخر رمز للنعمة والغنى، إذ كلما كان أقراب جميلا وبهيا إلا و دل ذلك على أن النعمة والرزق الوفير ظاهر على صاحبه والعكس بالعكس، كلما كان باليا ومهترئا إلا وعنى ذلك أن صاحبه شحيح وبخيل رغم غناه أو يعاني من إملاق.
يوضع في أقراب إلى جانب ما تيسر من المال وليس كل المال كما تقدم، لأن “البنك المركزي” هو الصندوق المحكم الإغلاق المركون في مكتب الحسابات التابع للشيخ، إبرة من الحجم الكبير تسمى”إسكني” وأخرى من الحجم الصغير مع الخيوط وسكين صغير لأي طارئ قد يطرأ، كما يضع فيه المدخنون من الشيوخ غليونهم المسمى الشقف أو السبسي مع مسحوق التبغ من نوع شتوكية بعد خلطها برماد الطلح والوقيد حتى إذا عكر أحدهم مزاجه سحب غليونه وعبأه بشتوكية لتنشيط الدماغ.
يجمع جوف أقراب مجموعة من الأشياء التي قد تبدو تافهة ومتناقضة، ورقة ممسوخة لا يفهم ما كتب فيها إلا الشيخ وحده لا شريك له، حامل موسى حلاقة يسمى “أفوس ن الموس” به شفرة استعملت عدة مرات ومتسخة بما علق بها من شعر وصابون “المنجل” الذي يستخدمه لتسهيل الحلاقة وعلبة تضم شفرات حلاقة جديدة إلى جانب قطع حلوى من نوع “الفنيد”، يوزعها الشيخ على أطفال العائلات التي يزورها أو على أولئك الذين يصادفهم في الطريق أو على أحفاده الذين ينتظرون بشوق عودته من السوق أو من سفر يدوم لأيام، فيهرولون نحوه إذا تراءى لهم من بعيد، وعندما يهم بفتح أقراب تعلو الغبطة والفرح وجوههم استعدادا لتسلم “الفنيد”.
أما إذا أحس الشيخ بالتعب بعد جولة طويلة في السوق أو بعد الوقوف لساعات في الرحبة لبيع خرفانه، فإنه لم يكن يجد طريقة لأخذ قسط من الراحة أفضل من الانزواء في ركن من الأركان وتوسد رزقه، حيث أنه لا توجد في هذه الحالة من العياء والإرهاق وسادة أنعم من أقراب مليء بالنقود بعد يوم شاق.
يصنع أقراب من الجلد الطبيعي ويزخرف بنقوش حريرية رائعة وبألوان مختلفة؛ الأحمر والأصفر والأزرق…حسب الذوق مع رابط حريري يعلق به على الكتف.
اليوم أصبح حمل أقراب مقتصرا على قلة قليلة من المسنين في المناطق الأمازيغية النائية، الذين يرفضون الافتراق معه، معتبرينه جزءا من ذاكرتهم وتاريخهم رغم إغراءات حافظات النقود العصرية والأبناك الحديثة، ما جعل هذا التراث المادي العريق في طريق الاندثار.
فضلا عن هذه الثلة من المسنين التي تعتبر بحق خير محافظ على تراثنا المادي واللا مادي، تعد أيضا فرق الرقص الجماعي الأمازيغي من أحيدوس وأحواش من المحافظين على هذا التراث الذي يصارع الإهمال واللامبالاة.
وفي مقابل ذلك يبدو أن “تراث شعب عند شعب فضائل”، ويتجلى ذلك في عمل مصممة أزياء ألمانية تدعى أندريا كولب حسب ما ذكره موقع dw.com في مقال منشور يوم 9 مارس 2013 تحت عنوان “مساهمة ألمانية في إعادة إحياء المنتوجات الأمازيغية المغربية”، (عملت) على تحويل أقراب الأمازيغي إلى موضة عالمية على شكل حقائب ظهرية وحاملات الهواتف الذكية والحواسب اللوحية.
استوحت أندريا فكرتها من الهدية التي قدمت لها أثناء زيارتها لمراكش والتي لم تكن سوى” أقراب” أمازيغي، تحول فيما بعد إلى واحد من أهم منتجات شركة “حقائب أبوري الألمانية”، ولم تقف الفكرة لم تقف عند هذا الحد، بل تحولت إلى مركز تدريب وتعليم في قرية نواحي مراكش يضم الرجال والنساء اللواتي يتلقين مهارات التطريز والموضة العصرية لصناعة حقائب الهواتف والحواسب اللوحية بمرجعية أمازيغية.