لا زالت “جريمة شمهروش” تسيل المداد في المغرب وخارجه بعد مضي أكثر من 5 سنوات على مرورها. فبعد أن وضع أحد المتورطين في الجريمة يوم الثلاثاء 28 فبراير 2023، حدا لحياته في السجن، قررت إيرين أولاند ، والدة “مارين أولاند” التي قُتلت على يد متعاطفين مع داعش في جبال الأطلس بالمغرب 2018 المشاركة في عرض فيلم “Finding Aicha” للصحفية المستقلة والمخرجة والكاتبة ميريام فرانسوا-جيرا.
وسيعرض الشريط الوثائقي في فرنسا يوم 30 مارس الجاري بتنظيم من مركز نوبل للسلام.
وسيعقب العرض مقابلة ثلاثة آباء فقدوا أطفالهم بسبب الإرهاب، وهم إيرين أم الضحية الأسكندافية، والآباء الفرنسيون جورج سالينز وأزدين عميمور والأم إيرين أولاند، الذين فقدوا جميعهم، بطرق مختلفة، أطفالهم من خلال عمليات إرهابية.. وقال المنضمون أن أسر الضحايا حاولوا معًا إيجاد طريق للمضي قدمًا في حياتهم، من خلال المصالحة مع الماضي.
وفي الوقت ما تزال فيه أسر الضحايا تتجرع مرارة الجريمة، التقت أم الضحية الثانية ”مارين أولاند”، السنة الماضية، بوالدين فرنسيين فقدا أطفالهما في هجوم باتاكلان الإرهابي في باريس. وقالت صحفية داكبلاديت أن أم الضحية ”مارين”، تعاني من ضغوط نفسية كبيرة “ما بعد الصدمة” وتعاني مع مرض السرطان، وقالت الأم خلال لقاء جمعها بأسر ضحايا الإرهاب العام الماضي “إن كل يوم يمر، يجب أن ننهض ونستمر ونتعايش مع الخسارة الفادحة لأطفالنا. يتعلق الأمر بمحاولة الابتعاد عن كابوس فقدان الأطفال والقلق الدائم من أن ألا يتكرر ذلك”
وقبل ثلاث سنوات ، أنشأت أم الضحية “مارين” مؤسسة Marengardens Peacebuilding Foundation / Mother to Mother. وكان الهدف منها منع التطرف والإرهاب وخطاب الكراهية. ودعت لإشراك جميع الأطراف.
بعد مضي أكثر من 5 سنوات، لم تنته بعد قصة الإرهابيين الثلاث الذين ارتكبوا جريمة شنعاء في دجنبر 2018 بقرية إمليل النائية نواحي مراكش، إذ كانت المحكمة الإدارية المختصة في قضايا الإرهاب قد أصدرت حكما ضد الدولة المغربية ممثلة برئيس الحكومة سعد الدين العثماني، بتعويض لأسرة الضحايا وصل إلى 5 ملايين درهم. والتي عادت إلى الواجهة بعد انتحار أحد المتورطين في الجريمة وأعادت تفاصيل القضية إلى الواجهة.
وكان قد حكم على الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، بتعويض أسر الضحايا في إطار التضامن الاجتماعي، كما جاء على لسان الدفاع لوسائل إعلام محلية، حيت كان من الضروري رفع دعوى قضائية ضد الدولة المغربية لما تتحمله من مسؤولية قانونية وأخلاقية.
وفي الوقت الذي لم تقم حكومة سعد الدين العثماني بأي إجراء في هذا الصدد، يطرح السؤال مجددا في وجه الحكومة الحالية والتي يقودها رجل الأعمال والوزير في الحكومة السابقة عزيز أخنوش.
تعود بنا التفاصيل إلى تلك الليلة الدامسة في شهر دجنبر أياما قليلة قبل احتفالات رأس السنة الميلادية، حين عثرت امرأة فرنسية وزوجها على سائحتين اسكندنافيتين مغتصبتين ومقطوعتي الرأس. هزت الجريمة الرأي العام المغربي، وبثت الرعب في صفوف ساكنة إمليل، ولم ينته اليوم الثاني حتى تسرب الذعر إلى كافة سكان المغرب، خاصة بعد أن تبناها تنظيم “داعش” الإرهابي ليلة واحدة بعد الجريمة، ببيان له على موقعه الإلكتروني.
كانت لويزا فيستراجير جيسبرسن 24 عامًا، من الدنمارك، ومارين أولاند، 28 عامًا، من النرويج، تخيمان في جبال الأطلس، على بعد حوالي 10 كم من قرية إمليل.
قبل ذهابهما إلى المغرب، نشرت جيسبرسن على فيسبوك “أصدقائي الأعزاء، سأذهب إلى المغرب في ديسمبر. أي منكم كان موجودًا في ذلك الوقت أو أي من الأصدقاء، يعرفون شيئًا عن جبل توبقال؟”. ذلك كان أخر سؤالها.
جبل توبقال، الوجهة المفضلة للسياح الأجانب، كان شاهدا على مقتل السائحتين الصغيرتي السن، وجدتا مذبوحتان في خيمتهما الصغيرة في سفح الجبل الآمن، ورغم أن المنطقة عرفت بأمنها منذ عقود، إلا أنها شهدت أبشع جريمة قتل لسياح أجانب في تاريخ المغرب الحديث.
سميت الجريمة بشمهاروش نسبة إلى ضريح سيدي شامهاروش، الذي ترك بصماته على تاريخ وحياة قبيلة آيت ميزان الصغيرة القريبة من إمليل مكان الحادث، والتي تقع في واد شديد الانحدار في الأطلس. على مر السنين امتد تأثيره إلى بقية أنحاء المملكة، حتى أصبح يحج إليه العديد من الأشخاص لإيمانهم بفضائله العلاجية، خاصة في عقم النساء والروماتيزم والأمراض الروحية. وسيدي شمهاروش، حسب الأسطورة، لا ينتمي إلى العالم البشري “إنه سلطان العباقرة”.
شمهاروش قريب من قرية إمليل، وتتميز هذه القرية بجمال طبيعتها، وسط جبال الأطلس، المعروف بجبل توبقال، أعلى قمة جبلية في المغرب. وهي منطقة هادئة أيضا تستهوي السياح، تتبع جغرافيا لإقليم الحوز وإداريًا لأسني. ويقدر عدد سكانها بـ حاولي 9000 نسمة.
رحلة سيدي شمهاروش مناسبة للمتنزهين الذين لا يرغبون في تسلق جبل توبقال ”ولكنهم يرغبون في تجربة جزء من طريق الرحلة الكلاسيكي من إمليل”. تم تصنيفها على أنها من الرحلات النهارية المتميزة . 6 ساعات من المشي تكفي لتهدئة النفس، وتعميق التجربة، يوفر هذا الطريق مناظر جبلية رائعة وشلالات وإطلالات رائعة على جبل توبقال لذلك قررت السائحتان زيارتها.
حسب المتداول يعتبر “سيدي شمهاروش، أو القديس شمهاروش، ملك الجن، وكان يُعبد في ضريح “مارابو” الذي يعود إلى فترة ما قبل الإسلام – وهو صخرة كبيرة مطلية باللون الأبيض. سيدي شمهاروش هو موقع حج شهير في المغرب حيث يتم ذبح الأضاحي يوميًا لعلاج المشاكل الصحية أو طرد الأرواح أو حل المشكلات أو للتمني حظًا سعيدًا”. فكان ذبح السائحتين يوم 17 دجنبر بمثابة تقرب إلى الله من قبل الإرهابيين.
ارتكبت الجريمة ليلة 17/16 دجنبر 2018، في حق الدانماركية لويزا فيسترجر جيسبرسن التي قررت السفر يوم 9 دجنبر لقضاء عطلة رأس السنة بمنطقة جبلية مغربية، كما فعلت في الأعوام الماضية في عدة دول، واختارت إمليل وجهة لها هذه المرة، كانت قبل ذلك طالبة جامعية بجامعة لإكاست براند، وأنهت سنتها الدراسية بنجاح، غير أنها لم تكن تعرف مصيرها قبل أواخر 2018. طالبة مجدة درست في فيستر والتحقت بجامعة إيكاست براند. وسافرت إلى رحلة ألا عودة. لقد وجدت مقتولة في أقصى سفح جبل توبقال.
وجدت حينها الشرطة بطاقة هوية، كان مكتوبا عليها، إسم عبد الرحيم، وسرعان ما انتشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي زقق المناطق المجاورة، لم يمر ذلك اليوم، حتى ألقى القبض عليه، واقتيد إلى مخفر الشرطة، حينها اعترف بالمنسوب إليه وبعض أسماء من كانوا يشاركونه عملية القتل البشعة.
انتشرت أخبار الجريمة في جميع المواقع الصحفية الإلكترونية، ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية، ليصاب الجميع بعدها بالصدمة بعد تسريب شريط للإرهابيين الثلاث وهم يقدمون الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية أسبوعا فقط قبل ارتكابهم عملية التصفية. وأظهرت التحقيقات المستمرة أن الإرهابيين الثلاث كانوا قد خططوا للقيام بعمليات إرهابية ضد السياح الأجانب بالأسلحة البيضاء. وبعد مرور عدة أيام، تسرب فيديو أخر يتضمن توثيقا حيا لجريمة القتل، صور من طرف أحد القتلة. وما إن تسرب على مواقع التواصل الاجتماعي حتى أصابت الصدمة، كل أرجاء العالم، مما اضطر الحكومة النرويجية إلى التحرك العاجل، وإصدار تعليمات لتعميق البحث، في صحة الشريط، ونظمت عدة تظاهرات واحدة في الرباط العاصمة، وأخرى في مراكش، وثالثة في إمليل، ورابعة في مدينة برينيه مسقط رأس إحدى القتيلتين، وتم نقل جثتيهما إلى مدينة كوبنهاجن أسبوعا واحدا بعد الحادث لتقام لهما جنازة مهيبة بحضور لارس لوكه الوزير الأول الدانماركي وشخصيات عالية المستوى في الدولة بما فيهم السفيرة المغربية بالنرويج لمياء الراضي.
حكم بالإعدام في حق مرتكبي الجريمة الثلاث. وحكم بالمؤبد في حق رابع تراجع عن موقفه لحظات قبل الجريمة. قبل ثلاثة أسابيع إنتحر أحد الإرهابيين المتورطين