يوم 16 فبراير 2017، حوالي الساعة السابعة مساء، كتب رشيد قائلا “سنغادر هذا الوطن اجلا أو عاجلا ..سنغادره ليس حبا في اوطان غيرنا. سنغادره لأننا مجبرون على المغادرة “ ليختم بالقول “سنترك هذا الوطن حين ماتت فينا كل ملكات الانسان ليكون مكانها أنا وبعدي الطوفان، مجبرون على المغادرة، قبل أن نغادر هدا العالم بشكل نهائي”.
هو رشيد بنحسي الذي عرف باسم رشيد لمستور، من مواليد 1992، حصل على شهادة الإجازة في السسيولوجيا من جامعة ابن زهر بمدينة أكادير، ينحدر من دوار أيت تومرت في منطقة امغران نواحي قلعة مكونة، بالجنوب الشرقي، ينتمي لأسرة فقيرة، والده فلاح مياوم، وشقيق لأربعة إخوة، ثلاثة ذكور، واخت رابعة.
شاب في مقتبل العمر اختطفته أمواج محاولة الهجرة السرية، وهو يحاول “الهروب” للمرة الثانية بعد محاولة سابقة فاشلة، حيث قام بركوب قارب الموت يوم السبت 17 يونيو 2017 من مصراتة الليبية على الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وفي التاسعة صباحا من يوم الأحد جاء خبر غرقه إلى جانب 17 مهاجرا سريا.
انطلق رشيد من جبال قلعة مكونة وبعد أيام تمكن من الوصول إلى تونس شهر أبريل 2017، ومنها إلى ليبيا حيث استقر للبحث عن فرصة للعبور إلى الضفة الأوروبية، وفي تواصله مع بعض أصدقائه من المنطقة، يومين قبل الحادث، أخبرهم أنه يعيش ظروفا صعبة بليبيا، ويشتكي من تعرضه للنصب من طرف شبكة للتهجير السري يتزعمها أحد أبناء منطقة قلعة مكونة الذي يسكن في مدينة مراكش، بعدما سلبه رفقة 9 أشخاص آخرين مبلغ 30 ألف درهم لكل واحد منهم، ثم تركهم يواجهون المصير المجهول.
“لي أم ستشتاق إلي، ستكون بحاجة إلي حين لن تقدر على المشي، حين ستصاب بالزهايمر ستكون بحاجة إلي، أذكرها بشبابها، آخذ بيدها الى سقف منزلنا الآيل للسقوط لتستمتع باخضرار شجر اللوز. ساترك أخي الصغير عرضة لعنف ابن الجار الذي يشتغل رئيس جماعة قروية هو الذي لم تطأ قدمه يوما قسم المدرسة. سأترك أخي أيضا عرضة لعنف الطبيعة وأنا من يكسيه. سأترك أختي الصغيرة أيضا يتحرش بها صديقي بعد أن كنت أحميها من هجمات الأوغاد سأتركها وحيدة تواجه وحوش آدمية…، سأترك أيضا والدي الذي كان يتمنى أن أكون نموذجا يسد به أفواه أصدقائه سأتركه يستيقظ قبل طلوع الشمس يستغله غني القرية مقابل دراهم يكسو بها أخي الصغير …”.
تروي هـ.ن شابة أمازيغية من ليبيا، كانت قد تحدث مع رشيد قبل غرقه، “أرسل لي رشيد طلب الصداقة عبر فايسبوك ليسألني عن أحوال ليبيا وقمت بقبول طلب صداقته… منذ البداية حذرته من المجيء لليبيا، لأن الحروب والسلاح هنا في كل مكان. رشيد كان ساعتها في بيت لشبكة متخصصة في التهجير السري. في مركز التهجير التابع للشبكة، كان كل شيء متوفر من أثاث وفراش وطعام وبعض الخدم.
حكي رشيد انهم كانوا يتعرضون يوميا لجميع أنواع السب والشتم والتهديد، وسلاح الكلاشينكوف يوميا على رؤوسهم، سرقت أمواله وهاتفه، لكنه تمكن من شراء هاتف جديد بعد تلقيه أموالا من المغرب.
ظل رشيد يلزم البيت طول اليوم تقريبا رفقة بعض السوريين. لمدة شهر لم تطأ قدماه خارج البيتبسبب تهديدات العصابة المسلحة،
هـ. ن قالت إنها عرضت على رشيد الهروب من صبراتة حيث كان يتواجد، الى جبل يفرن مقر سكناي، كانت المنطقة أمازيغية ليبية، “سيستقبلونك أحسن استقبال يا رشيد” تقول المتحدثة، وبنما كان يفكر في الأمر مليا، استفسر عن المدة الزمنية بين مصراتة وجبل يفرن، فاخبرته هـ.ن بأن المدة الزمنية لن تستغرق أكثر من ساعة ونصف أو ساعتين مشيا على الأقدام، لينجو من ايدي العصابة، لكن تهديداتهم حالت دون نجاته. كان يفكر في العودة للمغرب، لكن كيف ومتى؟ هذا ما لم يكن يعرف له طريقا.
تمكن رشيد أخيرا من ركوب الموج على مثن قارب صغير، لكن الأجواء لم تكن مطمئنة، غير أن القارب استمر بالدخول متجها نحو إيطاليا إلى أنلقب بكل الركاب.
أفاد أحد الناجين الذين رافقوا الراحل في القارب، أن رشيد لمستور كان بصدد إنقاذ أم وولدها أثناء انقلاب الباخرة غير أنه أصيب بعياء وإرهاق شديد ولفظ أنفاسه الأخيرة، هو والعديد من زملاء الدراسة بجامعة ابن زهر بأكادير وأصدقاء الطفولة الذين تخرجوا من جامعة القاضي عياض بمراكش والذين كانوا أيضا برفقته.
رشيد لمستور واحد من مئات الشباب الذين يختارون الهجرة مرغمين مخاطرين بأرواحهم للوصول إلى الدول الاوروبية بحث عن العيش الكريم وهروبا من القهر وغياب الفرص، تاركين أنفسهم ضحية لعصابات التهجير والنصب.
ما زال البحر الأبيض المتوسط أخطر طرق الهجرة في العالم. في 2019 أحصت المنظمة الدولية للهجرة 3170 حالة وفاة في كافة أنحاء العالم، أكثر من ثلثها في البحر المتوسط (1246). ولكن الرقم انخفض عن العام الذي قبله، الذي كان بحدود 2299 مهاجرا. وسجلت الإحصاءات الرسمية 3139 في 2017، و5141 في 2016، و4041 في 2015، و3184 في 2014.
المنسيون الذين رحلوا عن الحياة كأنهم لم يعيشوا أصلا. إنهم ضحايا الهجرة حول العالم.
هكذا يصفهم تقرير لأسوشيتد برس يوثق وفاة أو اختفاء أكثر من 56800 مهاجر في جميع أنحاء العالم منذ عام 2014، أي ضعف الرقم الرسمي الصادر عن منظمة الهجرة الدولية.
ضاع عدد كبير منهم في الصحارى أو سقطوا فريسة مهربي البشر، تاركين عائلاتهم تتساءل عما حل بهم.
فيما تعج المقابر برفات مجهولين في مقاطعة غوتنغ في جنوب أفريقيا، أو في مدينة جرجيس الساحلية في تونس. وثمة مقابر مماثلة في إيطاليا واليونان وليبيا.
العدد الذي تتحدث عنه منظمة الهجرة حتى الأول من تشرين الأول/أكتوبر تجاوز 28500. لكن أسوشيتد برس تضع ما يقرب من 28300 شخص إضافي من المهاجرين الموتى أو المفقودين، جمعته من معلومات وفرتها مجموعات دولية أخرى وسجلات الطب الشرعي وتقارير المفقودين وسجلات الوفيات وفحص بيانات آلاف المقابلات مع المهاجرين.