قد تستغرق رحلته شهورا طويلة من مكان إقامته حيث يترك أسرته إلى أن يعود إليها بعد تلك الرحلة التجارية.. يقضي يوما أو نصف يوم في كل دوار، أو يومين على أبعد تقدير إذا كانت ساكنة الدوار كثيرة وعدد المنازل كبيرا.
كل متاعه حقيبة تشبه كثيرا حقيبة السفر ، لكنها ليست حقيبة ظهر. يقصد حائطا ظليلا، يفرش ثوبا ثم يعرض سلعا مختلفة: زعفران، مسك، كُحل، حلي ذهبية مثل خواتم ودمالج أو غير ذلك مما خف وزنه وغلا ثمنه.
الأطفال ليسوا من زبائن “بوالزعفران”، لذلك فهم لا يتجمعون حوله. فهو لا يبيع الحلوى و’’الفنيد‘‘ أو ما يستهوي الأطفال، هو لا يشبه العطارين وبائعي اللعب والحلويات والنفاخات والسلع الذين يجوبون الدواوير ويختارون أيام السوق ليقصدوا الدواوير البعيدة عن المراكز، ففي أيام السوق يقضي الرجال يومهم في البيع أو الشراء ويكون الدوار خاليا إلا من النساء والأطفال.
عندما يصدح آذان الظهر، يجمع سلعته ويقصد المسجد لصلاة الظهر، وصلاته بين أهل الدوار الذين يعرفون بعضهم البعض، هو بمثابة إعلان غير مباشر بأن عابر سبيل قد حل بالدوار، وأن على شخص ما أن يكرمه بوجبة غذاء كما تنص على ذلك نواميس أهل القرى والدواوير البعيدة عن المدن.
عندما يعرض بعضَ سلعته محتفظا ببعضها داخل حقيبته الجلدية الكبيرة، تلتف حوله النساء من أعمار مختلفة، فيشهر ميزانا دقيقا يزن به قطعا صغيرة من المسك، وشُعيرات قليلة من الزعفران. تختار النساء ما يرغبن فيه من مواد الزينة التي يعرضها هذا الرجل الذي تختلف لهجته عن لهجة دواوير الجنوب غالبا. حيث يتيح لكل من ليس لديها مال أن تأخذ ما تحتاجه من الزعفران والمسك والحلي، على أن تدفع ما في ذمتها عندما يعود في الرحلة القادمة التي لا تتكرر إلا بعد ستة أشهر على الأقل، وأحيانا بعد سنة. مع ذلك ف هو مستعد أن يقرض هذه النسوة ما يحتجنه من سلعته إلى حين.
“لا نعطيه أي ضمانات ولا نستحضر أي شهود، الكلمة هي كل شيء، فمن العيب أن نتنكر له عندما يعود، فالدين دين والله هو أكبر شاهد”، تقول سيدة تتأسف لزمن “بوزعفران” حيث الثقة المتبادلة بين الناس حتى دون أن يعرف بعضهم بعضا.
لا يقتصر بعض هؤلاء التجار بهذا “الطلق” المغامر، عندما يسمحون لنساء لا يملكن أموالا حاليا بشراء سلع للزينة، مثل الحلي والزعفران والمسك، إلى أن يدفعوا ما في ذمتهن في الزيارة المقبلة، بل إن بعض “إد بو الزعفران” يعمدون إلى ترك جزء من سلعتهم لدى بعض النساء الموثوق فيهن، على أن يبعنها لمن يرغب في ذلك في مواسم الزواج والمناسبات العائلية التي تتكرر في القرى والمداشر، وحين عودته، يسترجع أموال ما بيع من السلع، ثم يترك سلعة أخرى وهكذا.وتزيد نفس المتحدثة “كان يترك جزءًا من سلعته عند خالتي فاطمة بدوارنا نواحي تازارين، ومن رغب في الشراء يقصدها، لكنني لا أعرف إن كان يعطيها مقابلا في الرحلة الموالية عندما يتسلم نقوده أم لا”.
كانت هذه الشعيرات الحمراء غريبة عن منطقة تازارين وتنغير مثلا، وكل ما يعرف الناس أنها زراعة متعبة وأحيطت بها هالة من الأساطير، ومن بينها أن الفلاحين يجنونها فقط في الصباح الباكر، ثم ظهرت هذه الزراعة في إكنيون وأعطت نتائج مبهرة، فأصبح الزعفران في المتناول وتكسرت تلك الهالة حوله.
و”منها إمكانية جنيه في أي وقت، وليس قبل الشروق، بل يمكنك العمل الساعة التاسعة أو العاشرة، ولا يكلف الكثير من الجهد عكس كل تلك الأساطير التي كان الفلاحون السباقون إلى هذه النبتة يروجونها” يؤكد لحسن بيبيش، رئيس الجمعية المنظمة لمهرجان صاغرو للزعفران.
ويضيف بيبيش في حديثه للجريدة إن دخول زراعة الزعفران يعود إلى سنة 2004، حيث أدخل هذه الزراعة رجل إسمه بوهاشم عندما قام بزراعته في حقله، بعد ذلك تمت زراعة نبتة الزعفران بمنطقة صاغرو بدعم من برنامج التعاون البلجيكي، وقد كانت النتيجة جيدة لكون التركيبة الجيولوجية للمنطقة توافق نبتة الزعفران، كما أنه لا يحتاج الكثير من الماء، إذن فهي زراعة بديلة ومدخولها جيد وسهلة في العمل.
يستعيد بيبيش، في حديثه إلينا، مراحل تطور زراعة هذه النبتة البديلة في صاغرو “سنة 2015 دخلت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على خط هذه الزراعة وساهمت بشكل كبير في تطوير سلسلة الزعفران رفقة وكالة التنمية الاجتماعية، فكانت النتيجة جيدة”.
ومع انتشار هذه الزراعة في المنطقة لم يعد من مكان للرجل الذي يجوب المنطقة حاملا سلعته من دوار لآخر، وهذا ما يؤكده نفس المتحدث إذ قال “لم يعد صاحب ” الصاك ” الأحمر يجول في المنطقة، أولا لتوفر الزعفران عند أغلب الأسر، وكذلك لظهور طرق متطورة في التسويق، بتعليبه ووضعه في علب جميلة وعرضه في محلات”.
أما عن كمية ومساحة هذه الزراعة التي استجدت في المنطقة فيقول بيبيش إنه” تم تنظيم مهرجان للتعريف بهذا المنتوج سنة 2018، ودروة ثانية سنة 2019، وقد حقق ذلك إشعاعا كبيرا لصاغرو ولمنتوج الزعفران واستفاد الفلاحون وتوسعت دائرة المتدخلين، حيث دخلت المصالح الفلاحية كذلك على الخط، وساهمت ب72 طن من حبوب هذه النبتة وبلغت المساحة المغروسة 60 هكتارا، بين 2014 و2021″.
وعن مستقبل هذه النبتة فيقول رئيس هذه الجمعية “بلغ الانتاج الآن 70 كيلوغراما سنويا، ونأمل أن يتطور إلى أن يبلغ 200 كيلوغرام في أفق 2023.”