الرئيسية

’’راميد لا يفيد‘‘، قصة حسن مع السرطان، الشجرة التي تخفي الغابة بالريف

جاء صوته عبر الهاتف متعبا حين رد على اتصالنا ’’كنت نائما في سيارة الإسعاف‘‘ قال حسن بوتسغونت، الذي كان في رحلة العودة إلى بني بوعياش بعد حصة علاج بمدينة طنجة، ’’توقفنا في الجبهة كي نأخذ قسطا من الراحة قبل مواصلة الرحلة، لا تزال أمامنا ساعتان من الطريق‘‘.

طرق العلاج الطويلة

حسن بوتسغونت شاب من مدينة بني بوعياش بإقليم الحسيمة، اكتشف قبل سنة من الآن إصابته بمرض سرطان الغدد، وبدأ رحلة علاج طويلة ومرهقة ومستنزفة ماديا وصحيا دون أن يتسلل اليأس إلى قلبه، فالشاب يعلن أنه في معركة مع مرض السرطان وأنه لن يستسلم.

رحلة مقاومة بوتسغونت منذ السنة الماضية لم تواجه متاعب حصص العلاج فقط، بل بدأت قبل ذلك، فقد أطلق صرخة يوم 14 غشت من السنة الماضية، حين تعذر عليه الحصول على دواء مهم، صرخة حسن جاءت على حسابه الشخصي على موقع فايسبوك.

وكتب بوتسغونت ’’ما ذنبي أنا ؟؟.. ولما كل هذا الاستهتار بحياتي ؟؟ لو كنا في دولة تحترم مواطنيها وتهتم بصحتهم وعلاجهم لكنت الآن في المستشفى. لكن بدل ذلك فأنا تائه في البحث عن شراء الدواء بنفسي، قواي منهكة، الدواء غير متوفر هنا ولا في مدينة أخرى كما يقال لي. ماذا أفعل ؟؟‘‘.

تمكن بوتسغونت من الحصول على الدواء أخيرا، وقاوم على مدى أشهر طويلة، ولم يفته بين الفينة والأخرى أن يبعث بطاقة من الأمل لأصدقائه عبر موقع ’’فايسبوك‘‘ ولكن شيئا من الانكسار راوده بعد أن أنهى جميع حصص العلاج بمركز الأنكولوجيا بمدينة الحسيمة، حين تبين أن العلاج لم يقض على المرض.

عذرا.. بطاقة راميد لا تفيد هنا

حسن

’’ أخبركم أصدقائي صديقاتي وكل المهتمين والمتتبعين لحالتي الصحية، أنني أنهيت جميع حصص العلاج بمستشفى الأنكولوجيا بالحسيمة، لكن وللأسف النتائج النهائية كانت على عكس ما كنت أتمناه، حيث أكدت عدم تماثلي للشفاء وجسمي لم يستجب للدواء، كما أن نتائج الكشف بالأشعة أظهرت تواجد كمية من الماء في صدري، وهو أمر لم يحدث معي من قبل‘‘ بهذه التدوينة أخبر أصدقاؤه عن وضعه معلما إياهم أنه سيتوجه إلى مدينة وجدة من أجل العلاج..

بعد أسبوع أخبر بوتسغونت أصدقاءه أن الرحلة إلى وجدة واجهت عراقيل مسطرية، بعد أن رفض المركز الجهوي للأنكولوجيا بوجدة  استقباله ولذلك سيكون مضطرا للتوجه إلى طنجة، وأوضح أن سبب الرفض هو عدم قبول بطاقة راميد من طرف المركز المذكور بدعوى أن إقليم الحسيمة يتبع إداريا لجهة طنجة تطوان الحسيمة، لذلك فالبطاقة لن تفيده في مركز وجدة.

تبلغ المسافة بين مدينة الحسيمة ووجدة حوالي 250 كلم، بينما تقدر المسافة بين الحسيمة وطنجة بحوالي 300 كلم، الفرق بين المسافتين هو 50 كلم، لكن الطريق إلى وجدة أقل تعبا وخطورة منها إلى طنجة، فالطريق إلى طنجة تمر عبر مرتفعات ومنعرجات جبلية، وفي حالة مصاب بالسرطان يتابع حصص العلاج فإنها ستكون قطعة عذاب حقيقي بعد كل حصة.

وكان بوتسغونت يفضل أن يقبله مركز الأنكولوجيا بوجدة، من جانب أن الرحلة إليها أقل مشقة، ومن جانب آخر لتواجد طلبة وأصدقاء من نفس المنطقة يمكنهم إيواؤه ومساعدته على متابعة الحصص هناك، لذلك وجد نفسه مضطرا للتوجه إلى طنجة، ورغم أن الجماعة الترابية بني بوعياش وفرت له سيارة الإسعاف إلا أنه بدا متعبا جدا من الرحلة.

السرطان في الريف.. كلفة مادية وإنسانية

تعد منطقة الريف، وبشكل خاص إقليم الحسيمة من أكثر المناطق التي تشهد انتشار حالات الإصابة بداء السرطان بمختلف أنواعه، ويؤكد عدد من المهتمين بالمنطقة أن عدد المصابين من الريف يشكلون الغالبية العظمى من عدد المصابين في المغرب والذي يسجل حوالي 40 ألف إصابة سنويا، حسب أرقام وزارة الصحة، بينما كشف إحصاء الوكالة الدولية لأبحاث السرطان أن العدد الإجمالي للمصابين في المغرب يتجاوز 253 ألفا.

وبينما لم تصدر عن وزارة الصحة في المغرب أرقام دقيقة لنسبة أو عدد المصابين في منطقة الريف وحدها، تصر منظمات للمجتمع المدني أن النسبة مرتفعة جدا مقارنة بباقي مناطق المغرب، وترجع السبب للغازات السامة التي استخدمتها اسبانيا في حربها الاستعمارية في المنطقة، وهو ما أكده بحث أنجزته الباحثة وفاء أقضاض لنيل درجة الدكتوراه، سنة 2000، حيث انتهت إلى أن 80% من الإصابات السرطانية، وخاصة سرطان الغدة الدرقية، آتية من شمال المغرب.

ويعد العلاج من السرطان من أكثر العلاجات المكلفة بالمغرب، حيث تبلغ التكلفة حوالي 3 آلاف درهم للحصة الواحدة، وهو ما إلى عدد من المصابات بسرطان الثدي خصوصا، ومتضامنين معهن إلى إطلاق حملة بعنوان #مابغيناش_نموتو_بالسرطان، وهي حملة كشفت عن معاناة المصابين.

وطالبت الحملة التي أطلقت، في شهر دجنبر 2019، بالعلاج المجاني وتحمل الدولة تكاليف علاج المصابين، بينما رد خالد آيت الطالب، وزير الصحة أن ’’مجانية العلاج تثقل كاهل المنظومة الصحية، والمطلوب بالنسبة لهؤلاء المرضى ليس مجانية العلاج، بل التغطية الصحية الشاملة‘‘.

ويلجأ عدد كبير من المصابين إلى إطلاق نداءات للتبرع من أجل مساعدتهم في دفع تكاليف العلاج، ويعول المنحدرون من منطقة الريف على تضامن أبناء الجالية المنحدرين من نفس المنطقة، حيث تمكن أبناء الريف من تغطية مصاريف العلاج لعدد مهم من الحالات، وهو ما دفع بنشطاء إلى إطلاق حملة تبرع عبر الأنترنيت لفائدة حسن بوتسغونت تحت شعار ’’أنقذوا حسن من السرطان‘‘ وهي الحملة التي تهدف إلى جمع 10 آلاف أورو لمساعدته.

وشكل مطلب بناء مستشفى خاص لعلاج السرطان بمدينة الحسيمة أهم مطالب المتظاهرين في حراك الريف، ويأتي هذا المطلب بسبب الكلفة المالية المرتفعة للعلاج، إضافة إلى أن المصابين عليهم أن ينتقلوا إلى مدن أخرى كالرباط وفاس وغيرها من أجل متابعة حصص العلاج، لكن التوجه إلى هذا المدن يظل محكوما بصلاحية بطاقة راميد في مستشفياتها بالنسبة لعدد كبير من المصابين كما حدث مع حسن بوتسغونت.

ورغم افتتاح المركز الجهوي للأنكولوجيا بمدينة الحسيمة سنة 2008، إلا أن ظل شبه متوقف عن العمل، بسبب غياب التجهيزات اللازمة، وبعد أن تم قمع حراك الريف والحكم على أبرز قياداته بالسجن لسنوات طويلة، قامت جهة طنجة تطوان الحسيمة بتزويد المركز بعدد من الأجهزة والمعدات الطبية، الخاصة بالتعامل مع أنواع من السرطانات، بينما أنواع أخرى كسرطان الغدد يجب على المصابين بها التوجه إلى مستشفيات خارج الإقليم، وأحيانا خارج الجهة.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram