الرئيسية

جحيم الحجر الصّحي: ضرب وحديث مع العشيقات أمام الزوجات

“حوالي الساعة الواحدة ليلا، التجأت إلي إحدى جاراتي هاربة من بيت زوجها. استيقظت من نومي فزعة بعد سماعي دقات على نافذة بيتي، فإذا بها جارتي فاطمة تهمس وترجوني أن أفتح لها الباب. كانت تحمل بنتها الصغيرة ذات الستة أشهر. تتنهد والدموع على خديها، طار النوم من جفوني وهي تحكي معاناتها مع زوجها. قالت لي إنه […]

“حوالي الساعة الواحدة ليلا، التجأت إلي إحدى جاراتي هاربة من بيت زوجها. استيقظت من نومي فزعة بعد سماعي دقات على نافذة بيتي، فإذا بها جارتي فاطمة تهمس وترجوني أن أفتح لها الباب. كانت تحمل بنتها الصغيرة ذات الستة أشهر. تتنهد والدموع على خديها، طار النوم من جفوني وهي تحكي معاناتها مع زوجها.

قالت لي إنه داوم على مضايقتها طيلة الأيام الأخيرة، خاصة منذ فرض الحجر. ولا تسمع منه سوى كلمات الإهانة والاحتقار. وصل به الحال للضرب والصفع، بل هذه الليلة أشهر في وجهها سكينا وطرح مائدة الطعام أرضا وكسر الأواني بدون سبب، فقط لأن طبق العدس الذي أعدته لم يرقه، فهو يختلق المشاكل من أشياء بسيطة”.

تحكي هذه السيدة، لمنصة “هوامش” قصة جاراتها “فاطمة”، من ضواحي مدينة تينغير، جنوب شرق المغرب، التي عانت من تعسف زوجها خلال فترة الحجر الصحي، عنف يومي متنوع بين السب والشتم والضرب. عنف شهد عليه طفلاهما الصغيران، لا يتجاوز أكبرهما سبع سنوات.

حملت فاطمة طفلتها الصغرى، وهربت ليلا، تاركة ابنها الآخر في منزل زوجها، ولم تجد في ظلمة الليل ملجأ سوى بيت جارتها. باتت هناك إلى الساعات الأولى من الفجر، لتذهب إلى بيت أبويها، إذ لم تنجح جارتها في منعها من الهروب. “مر شهران على رحيلها، هي لم تعد منذ ذلك الوقت، أعتقد أنها طلبت الطلاق”, هكذا ختمت لنا هذه السيدة حكاية صديقتها متحسرة على مصيرها.

حكاية “فاطمة”، دفعتنا لمحاولة النبش في موضوع “العنف الأسري” خلال فترة الحجر الصحي، فبقدر ما كانت فترة الحجر فرصة للعديد من الأشخاص للتقرب من أفراد عائلاتهم وأسرهم، بحكم هامش الوقت الذي أصبحوا يقضونه معهم، وأمسوا ينوعون سبل التواصل الأسري ويكتشفون في عائلاتهم أشياء لم يكن التسابق مع متطلبات الحياة اليومية العادية يترك وقتا لملاحظتها، لكن بالقدر ذاته كانت تلك الفترة جحيما على الكثيرين، خاصة النساء والأطفال، فقد اتسع هامش العنف الأسري خلال تلك المدة بشكل جعل العديد من الفعاليات الحقوقية تدق ناقوس الخطر.

الصرخة الموءودة … معنفات لا يستطعن البوح

بعد إعلان المغرب حالة الطوارئ الصحية في 20 مارس الماضي، سجلت تقارير المحاكم وبعض الاحصائيات الرسمية، تراجعا في حالات العنف المنزلي، واعتبرت ذلك مؤشرا على استقرار الأسر المغربية، وانسجامها واستعدادها للتعايش والتساكن، ولو في أصعب الظروف، لكن وراء ذلك الصمت صراخ مكبوت بين الجدران. صمت تمكن جزء منه من البوح والانفلات عبر تقارير مراكز الاستماع التابعة لمجموعة من المنظمات والجمعيات النسائية والحقوقية.

يقول تقرير “للجمعية المغربية لنساء المغرب”، يتوفر الموقع على نسخة منه، إن انخفاض عدد القضايا المسجلة بالمحاكم، لا يعني بالضرورة تقلص عدد حالات العنف، وإنما مرده أساسا الصعوبات الجمة التي تواجهها المعنفات، كصعوبة التنقل سواء بسبب التواجد الدائم للجاني بالمنزل أو بالنظر للإجراءات الادارية المرتبطة بالحصول على رخصة التنقل والتي غالبا ما تسلم لأرباب الأسر الرجال، إلى جانب ضعف امكانية الولوج إلى المعلومة المرتبطة بوسائل التبليغ، فضلا عن إغلاق المحاكم، مما يجعل النساء عرضة للعنف هن وأطفالهن، والمفجع أن الجزء الكبير من جبل المعاناة من العنف المبني على النوع، لازال مخفيا ومسكوتا عنه حتى بعد رفع الحجر.

عدالة في توزيع وتنويع العنف

كانت النساء والأطفال الحلقة الأخيرة التي تفرغ فيها كل الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن الوضع الاقتصادي من جهة، والمكوث الإجباري في المنازل من جهة أخرى، فعندما يجتمع الفقر والهشاشة مع الحظر الصحي، فإنّ كل أشكال العنف قد تنفجر.

إنه قهر مركب متعدد الأبعاد مسلط على النساء بالدرجة الأولى على شكل ضرب، سب، تهديد بالطرد من بيت الزوجية، خيانة زوجية، اغتصاب، اغتصاب زوجي، تهديد بالطلاق، حرمان من الإنفاق، تهديد بالقتل، اعتداء على الأبناء، استيلاء على مدخرات الزوجات.

ففي تقرير حول العنف ضد النساء خلال حالة الطوارئ، قالت فدرالية رابطة حقوق النساء، أنها رصدت ارتفاعا في العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال فترة الحجر الصحي بنسبة بلغت 31,6 % مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019.

وأوضحت الفدرالية، أنها سجلت ما مجموعه 4663 فعل عنف مثبت ضد النساء والفتيات بمختلف أنواعه وتجلياته خلال الفترة ذاتها، حيث شكل العنف النفسي أعلى نسبة ب 47,9 %، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 26,9 %، فيما جاء العنف الجسدي في المرتبة الثالثة بنسبة 15,2 % ب 709 أفعال عنف جسدي منها حالة قتل لسيدة وحالة محاولة قتل لسيدة أخرى، وارتفع العنف الجنسي بنسبة 5,1 %.

يتبين كذلك من الأرقام المرصودة أن العنف الزوجي سجل أعلى النسب خلال فترة الحجر والطوارئ الصحية حيث بلغ 81,8% بما فيه عنف الخطيب والطليق واستمرار العنف الزوجي رغم أن العلاقة منتهية.

وسجلت في هذا السياق أنه حتى في الظروف العادية “قامت 10,5 % من ضحايا العنف (ما يقرب من 18 % بالنسبة للعنف الجسدي وأقل من 3 % للعنف الجنسي)، على إثر أشد حدث عنف جسدي أو جنسي تعرضت له المرأة خلال 12 شهرا الماضية، بتقديم شكاية إلى الشرطة أو إلى السلطات المختصة مقابل 3 % سنة 2009”.

 

 

هذا وقد وثقت منظمة “شركاء للتعبئة حول الحقوق (إمرأة)”، منظمة دولية غير ربحية، عددا كبيرا من أنواع العنف الممارس على النساء، في تقريرها حول “انعكاسات جائحة كوفيد- 19 على العنف ضد النساء بالغرب يونيو 2020″، إذ أشارت إلى تواتر حالات الابتزاز الجنسي للعاملات في الضيعات والمعامل والمؤسسات الإنتاجية من خلال فرض قبول علاقة جنسية مقابل عدم التسريح من العمل تحت ذريعة الإجراءات الوقائية من تفشي فيروس كوفيد 19، أو بسبب المشاكل المالية الطارئة لهذه المؤسسات، هذا إلى جانب التحرش بالفتيات والنساء من طرف الأصول والمحارم والاغتصاب والممارسات جنسية سادية وشادة وزنا المحارم، والحرمان من طرف الأب والأخ من التعلم عن البعد باعتبار ذلك بدون جدوى، وعدم القدرة على الحصول على تعبئة الهاتف أو الإنترنيت من أجل الدراسة، الاستيلاء على المدخرات، الحرمان من التواصل مع الأهل، وغيرها من العنف بجميع أصنافه.

المنزل خطر على المرأة والأطفال

قد نعتقد أن النساء يكن عرضة للعنف أكثر في الشارع وفي أماكن العمل، لكن تقريرا للمندوبية السامية للتخطيط، يبرز أنّ المنزل يُعَدّ من أكثر الأمكنة التي تتعرّض فيها النساء المغربيات للعنف، بنسبة 52 % (6.1 ملايين امرأة)، ويشير التقرير نفسه إلى أنّ من بين 13.4 مليون امرأة مغربية تتراوح أعمارهنّ ما بين 15 عاماً و74، أكثر من 57 % منهن، تعرّضنَ لنوع واحد من العنف على أقلّ تقدير.

وهي احصائيات تتفق مع تقرير آخر ل “اتحاد العمل النسائي”، وهي منظمة مغربية غير حكومية، إذ تشير إلى أن “ثلاثة أرباع حالات العنف ضد النساء تمارس في إطار بيت الزوجية الذي يفترض أن يكون فضاء للمودة والحب والأمان، لكنه افتقد كل هذه القيم وساده العنف والقسوة مسّت الأطفال”، ووفق التقرير ذاته، يشكل الأزواج المصدر الأساس للعنف ضد النساء بنسبة 76 %، ثم أهل الزوج بنسبة 6 %، فالأخ بنسبة 5 %، ثم الطليق بنسبة 4 %

من جهتها قالت “فيدرالية رابطة حقوق النساء، إنها استقبلت، عبر مختلف الخطوط الهاتفية التي وضعتها بخدمة النساء، 240 اتصالا هاتفيا للتصريح بالعنف من قبل 230 امرأة عبر مختلف أنحاء البلاد. وقد شكل العنف النفسي أعلى نسبة بـ 48,2%، يليه العنف الاقتصادي بنسبة 33%، ثم العنف الجسدي الذي تجاوز نسبة 12%، إلى جانب بعض حالات العنف الجنسي، كما سجلت “حالات الطرد من بيت الزوجية، كفعل تم تسجيله واستدعى بإلحاح التدخل لتوفير خدمة الإيواء للنساء”.

ووفق المعطيات التي قدمتها الفيدرالية، فإن “العنف الزوجي، بما فيه عنف الطليق بكل أشكاله، طغى على أنواع العنف الممارس ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي، حيث شكل نسبة 91.7%، يليه العنف الأسري بنسبة 4,4%، ويتضمن أفعال العنف الممارس على النساء من قبل أفراد الأسرة”.

أرقام تؤكدها شهادات من قبيل سيدة متزوجة تبلغ من العمر 28 سنة وأم لطفلة تقول وفق تقرير “امرأة”، منظمة دولية، “راجلي مدمن قبل كان تيشرب و ابقا برا و إلا جا لدار تيدبز معيا ويضربني كنت تنهرب عند جيران وملي جا هاد المرض وتحبس فدار ولا تيقولي ايوا دابا معندك فين غادي تهربي مني يا زغبيا”.

نموذج آخر، التحدث المباشر مع العشيقة دون احترام لمشاعر الزوجة، توثقه شهادة أخرى في ذات التقرير “أنا عارفة راجلي تيخوني و لكن مكانش تيهضر معاها قدامي دابا وليت تنشوفو داير الكاميرا معها و تنسمعو تيقول شي كلام وايلا هضرت تيقولي خرجي نمشي نجيبها و إلى أولادي بداو يلعبوا تيضربهم حيت خاصو انعس بالنهار و اسهر معاها بالليل”

عنف من النساء إلى النساء

حصلت منصة “هوامش” على تصريح لشهادة “خديجة” من قلعة مكونة، متزوجة وتبلغ من العمر 24 سنة، أم لطفل حديث الولادة، تحكي عن تعرضها للعنف الجسدي والمعنوي من طرف أم وأخت زوجها، فقد استغلتا غياب زوجها عن المنزل بفعل فرض الطورئ الصحية، وظل عالقا في مدينة الدار البيضاء.

تقول خديجة ل “هوامش” ، مع توالي أيام الحجر، تحولت إلى عبدة لدى أخت زوجي، لا تفعل أي شيء، بل تتعمد تلطيخ الأثاث والملابس، ولا تنظف أي شيء، لا تفعل أي شيء من أشغال البيت، تترك كل شيء لي، وإذا لم أقم بعمل تبدأ في الصراخ وتحريض أمها علي، وأنا لا أجد وقتا للاهتمام برضيعي ولا بنفسي، بل منعت حتى من الذهاب لزيارة عائلتي، وحتى الاتصال بهم بعد أن حطمت أم زوجي هاتفي.”

الجزء الظاهر من جبل  الجليد

تمكنت تقارير مجموعة من المنظمات من الكشف عن الجزء العلوي من جبل معاناة النساء والأطفال من العنف خلال فترة الحجر الصحي، والأكيد أن الجزء المستتر أكبر أضعاف مضاعفة، هذا فقد أورد تقرير منظمة “امرأة” مجموعة من الشهادات الصادمة المستقاة بأشكال مختلفة ومن مناطق متنوعة من المغرب.

تقول إحدى المعنفات، وفق التقرير ذاته : “صبرت طيلة مدة زواجي لكني لم أعد أتحمل، خصوصا خلال هذه الفترة (فترة الحجر)، لقد تفاقم الوضع كثيرا وقام بضربي على مستوى الرأس والوجه ما استدعى تدخل الطبيب، رتق الجرح بـ17 غرزة ومازال الجرح غائرا، دون الحديث عن كم السب والإهانات التي أتعرض لها يوميا”.

شهادة أخرى عن العنف الزوجي تقول “أتعرض للاغتصاب الزوجي بشكل يومي ضدا على إرادتي، معاملة سيئة وإجبار على ممارسات لا أرغب بها، ازدادت حدتها خلال فترة الحجر”

وهي لا تختلف عن حالة أخرى قالت “ذقت جميع أنواع العنف من ضرب وجرح وتهديد بالإضافة إلى جميع الشتائم والإهانات.. قام بالاعتداء علي وطردي من البيت وأنا في فترة النفاس كما حرمني من ابني الرضيع وأخذه لوالدته رافضا تمكيني حتى من رؤيته، لم أستطع الذهاب للمستشفى بسبب الوباء وأخاف أن أخرج للشرطة بدون إذن” ، كما أن إحدى النساء تعرضت للاغتصاب من طرف الزوج من الدبر مع التهديد بالسلاح الأبيض مخلفا لها عجزا قدر ب 21 يوما، وأخرى تحدثت عن أخيها المدمن حاول الاعتداء عليها جنسيا أكثر من مرة بالإضافة إلى الضرب والسب المستمرين وتكسير كل ما يوجد بالمنزل

من جهة أخرى أبلغت منظمات غير حكومية عن تزايد العنف بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، لا سيما بين المراهقين وطلاب الجامعات نظرا لقضاء وقت أطول أمام الإنترنت بمبرر التعليم عن بعد، واستغلال الولوج إلى المجموعات الدراسية للحصول على أرقام هواتف وايمايلات الفتيات والأطفال لمحاولة التغرير بهم واستدراجهم لحوارات جنسية أو ذات حمولة جنسية وقرصنة محتويات الهاتف ونشر الصور التي تم تغييرها رقميًا لتكون ذات طبيعة جنسية.

كما أن العديد من النساء وجدن أنفسهن بدون عمل وبدون مدخول، كالعاملات في الجنس والبائعات المتجولات والعاملات بالحمامات والعاملات بالمقاهي والعاملات في الفرق الموسيقية الشعبية، بسبب توقف عملهن وعدم قدرتهم على الحصول على أي تعويض من طرف السلطات، كما تعرض بعضهن لممارسات تعسفية من طرف بعض أعوان السلطة المكلفون بتوزيع الإعانات، وتم حرمانهن من الاستفادة وتعرضن للابتزاز، وحرمانهم من رخص التنقل الممنوحة لكل أسرة.

رغم هول كل هذه الأرقام والشهادات، فإنها لا تمثل سوى جزءا صغيرا من الواقع، فإذا كان التبليغ عن العنف يصعب على النساء في الأوضاع العادية فما بالك خلال الأزمات.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram