الرئيسية

قروض “إنطلاقة”: طموحات تصطدم بالنصب والابتزاز

رن هاتف "فتيحة"، همت للإجابة مسرعة، كان المتصل شخصا تحدث بهدوء وبصيغة رسمية لم تعتد سماعها، سرعان ما عرف عن نفسه بأنه موظف بإحدى الوكالات البنكية، اتصل ليخبرها بأن البنك وافق على طلب تمويل مشروعها. كانت فرحتها لا توصف لأن الحلم بتمويل وتطوير ما تصنعه يداها من مواد تجميلية طبيعية سيتحقق، فلم تكن تعلم من أن في الطريق من سيتربص بها لإجهاض الحلم.

“ضمان انطلاق” هو برنامج وطني مندمج لدعم وتمويل المقاولات الصغرى وحاملي المشاريع، جاء تنفيذا لتعليمات ملك البلاد من أجل إعطاء دفعة للتمويل البنكي للمقاولات والخريجين الشباب والمقاولين الذاتيين، خصصت له ميزانيته تقدر ب 8 مليار، رأى فيه العديد من الشباب فرصة لتحقيق أحلامهم والاستقلال بذواتهم، واندفعوا بكثرة وبحماس، من أجل الاستفادة من هذا البرنامج. وعلى عكس الإعلان عن انطلاقته التي رافقتها حملة دعائية كبيرة، فقد غاب الإعلام عن مواكبة تفعيله، خصوصا وأن المسار كان شائكا ومحفوفا بالمخاطر، سيكون محظوظا من استطاع أن يعبر الطريق سالما ظافرا بدعم الانطلاق لمشروعه.

العشرات من الشباب الذين تواصلت معهم هوامش يحكون عن هذا المسار، منهم من استسلم ومنهم من يزال يقاوم، وفتيحة نموذج لحاملة مشروع. شجاعة وطموحة ابتغت تحقيق الحلم، هي الآن تواجه العوائق وتعيش المخاوف.

“موظف البنك يبتز والمفوض القضائي يساوم والمورد نصاب ومحتال عنونت “فتيحة” معركتها مع برنامج انطلاقة، وفي الحكاية دروس وعبر ممن لا يزال في بداية الطريق ولفت لانتباه المسؤولين لما يمكن أن يواجه شبابا طامحا بمستقبل أفضل، من محاولات للنصب والابتزاز.

طلب التمويل مقبول مع وقف التنفيذ

بعد موافقة البنك على تمويل مشروعها وقبل التوقيع على العقد، ستفاجئ “فتيحة ” بمكالمة هاتفية أخرى للموظف نفسه لكن هذه المرة من رقمه الشخصي، ليخبرها أنه بذل مجهودا كبيرا من أجل إقناع اللجنة المختصة بدراسة ملفات القروض داخل الإدارة المركزية بقبول تمويل مشروعها.

كانت تلك الفترة الفاصلة بين قبول الملف وإعداد العقد، مناسبة لتوالي المكالمات الهاتفية على “فتيحة” لإطلاعها على مستجدات قرضها، ولا يفوت الموظف أي مكالمة دون أن يذكرها بتدخلاته التي جنبت مراجعة ملفها والحكم عليه بالرفض وترتفع بذلك درجة الضغط عليها وستتزايد معه حدة الجرأة.

تقول “فتيحة”، ”في البداية قمت بشكره كثيرا لأنني كنت أظن أن المجهود الذي بدله، كان فقط من أجل مساعدتي اقتناعا منه بمشروعي، ولم أكن أتوقع أن يطلب مقابلا ماديا”.

“يومين فقط قبل التوقيع على العقد اتصل مجددا ليخبرني أن “الناس باقي كيتسناو”، كان يقصد اللجنة، كنت خائفة أن يضيع مني تمويل مشروعي، واضطررت أن أقول له “إكون خير”، بالرغم أنني كنت متأكدة أن قصة اللجنة التي تنتظر مقابلا غير صحيحة، والدليل أنني وقعت العقد في نهاية المطاف”.

“هذا العقد الذي لم أحصل على نسخة منه حتى الآن، المرة الوحيد  ة التي قرأته فيها كان يوم التوقيع، لم يكن يتضمن أية إشارة الى برنامج انطلاقة، وهو ما حاولت أن أستفسره عنه، لكنه أكد لي أن القرض يدخل ضمن هذا البرنامج وانه لا تتم الإشارة إليه في العقد، لكنني سأطلع مؤخرا على عقد أحد المستفيدين والذي كان معنونا بقرض برنامج انطلاقة” تؤكد فتيحة.

تعرضت “فتيحة” للعديد من أساليب الابتزاز حتى بعد توقيع العقد، فقد ناور الموظف البنكي حتى لا تحصل على نسخة منه بمبرر أنه يحتاج الى طابع الإدارة المركزية، وكذلك على جدول الأداءات الشهرية، وصلت إلى حدود ابتزازها بعدم صرف الشيكات التي ستصدرها لصالح الشركات الموردة.

 في نهاية المطاف وقعت العقد وحصلت على التمويل لكنها ستكون على موعد مع معركة جديدة، سيكون أبطالها تجار ينتظرون في الزاوية لاغتصاب أحلام شباب وشابات مجردين من أسلحة المكر والخداع التي يتطلبها الدخول الى ساحاتهم.

نصب وابتزاز

حرصت فاتحة كل الحرص على اختيار ما يناسبها من آلات ذات جودة عالية لبداية مشروعها، وهو ما اتفقت عليه مع إحدى الشركات المتخصصة في بيع الآلات عصر الزيوت، والتي أدت ثمنها كاملا عن طريق الشيك الذي تم صرفه من طرف البنك، بعد حصولها على ورقة التسعير (DEVIS).

تقول فتيحة “منذ صرف الشيك وأنا أتردد بشكل يومي على مقر الشركة من أجل تسلم الآلات، كانوا يؤكدون لي أنهم ينتظرون فقط وصول احدى الآلات المستوردة الى ميناء الدار البيضاء، وأن على انتظار مسؤول المبيعات الذي تعاملت معه حتى يعود من الاجازة، هذا الشخص الدي اختفى تماما ولا يجيب على هاتفه، وهكذا استمر التماطل لأكثر من شهر” .

“بعد ذلك سيظهر هذا المسؤول التجاري ليخبرني أن ظروف وباء كوفيد 19 حالت دون التمكن من استيراد احدى الآلات المتفق عليها، نظرا لأن الحدود الدولية مغلقة وأن الشركة ستمكنني من الة أخرى محلية الصنع تقوم بنفس وظائف الالة المستوردة، ذلك ما جعلني أشك في نواياهم خصوصا بعد تهربهم من إعطائي الورقة التقنية للآلة البديلة لأتمكن من معرفة خصائصها وظائفها العملية، وكذلك بعد معاينتي لها اكتشفت أنها قديمة ومستعملة وتمت فقط إعادة صباغتها، كما أنها لا تتوفر ظاهريا على أي لصيقة تقنية أو تعريفية”.

رفضت “فتيحة” تسلم الآلات جميعها واستعانت بمفوض قضائي لمعاينتها، وكان الغرض وراء ذلك هو استعمال محضر المعاينة قي حال ما اضطرت للجوء للمحكمة، لكنها حتى الان لم تحصل ذلك المحضر كاملا لان المفوض القضائي بدوره قام بابتزازها فقد طالبها بمبلغ مالي إضافي لم تستطع توفيره بالرغم من أنها أدت للمحكمة كل المصاريف القانونية للمعاينة.

بعد ذلك أرسلت إلى الشركة إنذارا تدعوهم من خلاله الى ضرورة تسليم الآلات وفق المعايير المتفق عليها، لكن للشركة رأي آخر في الموضوع فقد قررت عن طريق محاميها أن ترسل لها جوابا عن الإنذار تؤكد فيه أنها سلمت فتيحة جميع الآلات وأنها تتوفر على جميع الأدلة التي تثبت ذلك.

تقول فاتحة “كانت مفاجأة بالنسبة لي، بل صدمة كبيرة، لم أتوقع كل هذه الجرأة، وكل هذه الثقة في النفس، هذا نصب واحتيال، تهاوت كل أحلامي لم يتركوا لي أي خيار سوى اللجوء الى القضاء.

” سيري طلعي لاي محكمة بغيتي، منك عدد وماصورو والو ” هذه العبارة تجعلني أشعر بخوف كبير من الا ينصفني القضاء، فمن له كل هذه الجرأة وهذه الثقة، ربما له طرقه الخاصة في حسم مثل القضايا “.

أحلام تلاشت

يحكي محمد من جماعة الحمام بإقليم الجديدة عن العراقيل التي واجهته وهو يبحث عن تمويل مشروعه “كنت أتردد بشكل شبه يومي تقريبا على المؤسسة البنكية مند إيداعي لطلب تمويل مشروعي، وعلى مدار الشهرين كان يخبرني أحد الموظفين أنهم لم يتوصلوا بعد بجواب قبول أو رفض التمويل من طرف الإدارة المركزية”.

ذهبت في أحدى المرات إلى البنك ولم أجد الموظف الذي أودعت لديه دراسة المشروع وطلب التمويل، لكنني وجدت مكانه موظفا آخر، استفسرت عن طلبي، وما هي إلا لحظات بعد ما طلب اسمي، حتى أخبرني أن طلبي لم يرسل للإدارة المركزية للبث فيه، لقد كانت كان صدمتي قوية، فطوال تلك المدة كان ذلك الموظف ينظر في عيني بكل ثقة ويخبرني أنهم لم يتوصلوا بعد بجواب اللجنة المختصة في قروض التمويل.

محمد من بين الشباب القلائل الذين لم ييأسوا، واستمر في التردد على البنك للحصول على تمويل مشروعه، يقول “لقد وضعوا عراقيل كثيرة أمامي ـ فبالإضافة الى دراسة الجدوى طلبوا مني وعدا بكراء، وبعدها شهادة عمل حالية لدى إحدى الشركات، بالرغم من أنني حاصل على بطاقة مقاول ذاتي التي تعفيني من هذه الشروط”.

“يوسف” شاب من جماعة الزمامرة لن يكون أفضل حالا من “محمد” الذي ما يزال ينتظر جواب البنك.

يقول “تقدمت إلى البنك لإيداع دراسة مشروعي، قدمت للمدير بطاقة المقاول الذاتي، لكنه رفض تسلم ملفي وبرر ذلك بضرورة أن أحصل على إذن من مصلحة الضرائب، سألت الكثيرين حتى مصلحة الضرائب ولا أحد سمع بمثل هذا الشرط، رجعت الى البنك، ومديره قال كلامه  “هذا القانون معندي مندير ليك”، تخليت عن مشروعي لأنني لا أفهم في القانون ولم اجد من يساعدني”.

توفيق شاب من مدينة مراكش صرح بدوره في هذا الصدد لمنصة “هوامش” : ” اتصلوا بي في شهر رمضان أخبروني أن طلب تمويل مشروعي قد تم قبوله، منذ ذلك الحين وانا انتظر وكلما ذهبت إلى البنك يخبرونني أنهم ينتظرون فقط التوصل بالعقد من الإدارة المركزية”.

الأستاذ المحامي محمد الصالح لبراهمي: الطموح في حاجة الى تأطير

محمد الصالح لبراهمي محام بهيئة الدار البيضاء أكد في تصريح “لهوامش” أنه قدم العديد من الاستشارات بخصوص برنامج انطلاقة للعديد من الشباب الذين اتصلوا به من مناطق عديدة بالمغرب خصوصا القروية منها، وأشار الى أن بعض موظفي الابناك يستغلون البعد عن المركز وجهل الشباب بمسطرة طلب الدعم للمطالبة بشروط كثيرة، تجعل طالب الدعم يتخلى عن فكرة طلب التمويل، كما أن هناك بعض مسؤولي الأبناك يفرضون عليهم فتح حسابات كشرط لقبول إيداع طلباتهم، وهو شرط ينافي ما جاء به البرنامج كما أن هناك اخرون نفوا توصلهم بأية مذكرة حول برنامج انطلاقة.

ودعا الأستاذ المحامي إلى ضرورة مواكبة حاملي المشاريع وتأطيرهم خصوصا على المستوى القانوني من أجل تجنب أي محاولة للابتزاز أو التماطل او النصب.

وفي مسألة قيام بعض الشركات باستبدال السلع بعد صرف الشيك من طرف البنك يؤكد أن الشركة الموردة لا يخول لها القانون استبدال الآلة التي تم الاتفاق عليها في عقد البيع، لكن ما يحدث أنه في غالب الأحيان يجهل المستهلك المعلومات التعريفية للسلعة (les références )  ومدى أهميتها، وهو ما يمكن أن يستغله بعض الباعة  في مثل هذه المعاملات. ولهذا من الضروري أن ينتبه المستهلك جيدا إلى عقد الوعد بالبيع قبل توقيع الاتفاق، وبخصوص السلعة التي لا تتوفر على اية علامة أو أرقام تعريفية، فقد أكد نفس المتحدث أن قانون حماية المستهلك 08-31 جاء للتأكيد على ضرورة إعلام المستهلك إعلاما ملائما واضحا بالمنتوجات والسلع والخدمات التي يقتنيها أو يستعملها لمعرفة مميزاتها ومعرفة مصدرها وحتى تاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال.

“أما ادعاء الشركة بتسليم السلع إلى المستهلك موضوع العقد فإن ذلك يلزمها بتقديم أدلتها وعلى رأسها ورقة التسليم موقعة من طرف المشترية ” يقول الأستاذ المحامي.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram