لم تجد لطيفة الحسين صعوبة بالغة في إيجاد عمل بعد تخرجها مهندسة من معهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة بالرباط تخصص هندسة الانتاج الحيواني، فهي طالبة مجدة محبة للعلم، اجتازت بنجاح مباراة للتوظيف في المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي للغرب.
شغف
تقول لطيفة إنها اتجهت في نفس الفترة لدراسة ماستر للتسيير في المعهد العالي للتجارة و إدارة المقاولات بالرباط بعدما اكتشفت أن أسوأ ما تعيشه الادارات المغربية هو أزمة في تسيير مرافقها: ” أنت لا تحتاج لخبير لتعرف حجم الفوضى في إداراتنا، لدى كان لزاما علي الاتجاه لدراسة التسيير”.
حاولت أن تطور من أدائها في اللغة الانجليزية، فهذا سيفتح لها أبوابا موصدة في وجه الجاهلين بفك شفرات هذه اللغة، فتمكنت من إتقانها بعدما خصصت لها من وقتها و مجهودها.
تقول المهندسة الشابة في تصريح لهوامش إن هدفها من تعلم الانجليزية هو إيجاد تداريب في الخارج لمساعدتها في تطوير قدراتها في العمل، و كانت تجد تداريب كثيرة لن تكلفها و لن تكلف إدارتها فلسا واحد، لكنها تصطدم بجواب لا يبدو لها مفهوما أبدا: الادارة ترفض قيامك بأي تداريب في أي مكان.
بعد محاولاتها المتكررة في إقناع رؤسائها أن علمها سيستفيد منه الوطن، و أن مرتبها لن يزداد فلسا واحدا، بل إن شغفها بالعلم محركها الوحيد، إضطرت لطيفة أن تسمح في كل سنين الاقدمية و تترك وراءها منصبها الكبير المريح لتركب بعدها سفينة الهجرة نحو العلم في القارة العجوز.
ابنة الهامش الطموحة
في دوار أم الرمان نواحي زاكورة ولدت لطيفة، وهناك قضت طفولتها ثم هاجرت رفقة أسرتها للرباط، واستطاعت بمثابرتها وحبها للعلم واجتهادها الكبير أن تتمم دراستها و تحصل على دبلوم مهندسة دولة. و ظلت حاملة لأحلام كل بنات المغرب المنسي، و قررت أن تبقى شامخة عالمة تحمل المشعل بدلا عنهن، تبحث عن العلم في كل الأمصار نيابة عن كل فتاة حرمت من هذا الحق.
بعد حصولها على الماستر في علم الجينات و البيوتكنولوجيا الحيوانية بجامعة إسبانية التحقت مباشرة بسلك الدكتوراه بألمانيا مع حصولها على منحة للبحث في مجال التغير المناخي و علاقته بتربية الماشية في إطار مشروع دولي بين تسع دول.
تنقلت لطيفة بين 10 جامعات و معاهد مختلفة في أنحاء أوروبا، و جالت في 10 بلدان أوروبية مما مكنها من الإنفتاح على الثقافات الأخرى و تعلم اللغات. فأتقنت اللغات الاسبانية و الالمانية و الفرنسية و الانجليزية بالإضافة إلى العربية والأمازيغية. و هي التي كان يسخر منها رؤساءها في العمل عندما تطلب منهم عطلة بدون أجر حتى تتعلم و تعود للوطن، فلما رفضوا تخلت عن كل شيء، فهي ترى أن العلم في الغربة وطن و الجهل في الوطن غربة.
شجاعة
قليلون يملكون شجاعة المغامرة بمنصب من أجل العلم والمعرفة، لكن لطيفة الحسين امتلكت هذه الجرأة والشجاعة بحثا عن آفاق رحبة في مدن أوروبية كثيرة.
مشكلة لطيفة مع الادارات العمومية تكاد تكون عامة، فلا مسؤول يشجع مرؤوسيه على التعلم و التكوين، بل إن منشورا لرئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران سنة 2015 وضع حدا لمنشور سابق للوزير الاول عبد الرحيم بوعبيد أصدره سنة 1983 يسمح للموظفين بمتابعة الدراسة بعد الحصول على ترخيص شكلي من إداراتهم.
عدد كبير من الكفاءات المغربية تختار الهجرة حلا يوفر لها فرصا أفضل للعمل و العيش، و قد ذكرت مصادر حكومية في وقت سابق أن أزيد من 600 مهندس يغادر البلاد سنويا، رقم فسره لنا أحد المهندسين الذين فضلوا الهجرة نحو فرنسا بأن السبب الرئيس الذي يجعل المهندس المغربي يختار حل الهجرة أن وزارة التعليم العالي أغرقت السوق بالمهندسين من خلال مشروعها الذي يروم تكوين 10 ألاف مهندس، فأصبحت الشركات تقترح علينا 3 ألاف درهم شهريا كأجرة، و هذا غير معقول ! يضيف مصدرنا.
البحث عن خدمات
مهندس أخر تواصلت معه “هوامش” قال أنه فضل الهجرة رفقة زوجته المهندسة أيضا لأنه يريد العيش في وسط يسوده الامن و الاحترام و التقدير و جودة الخدمات.
“كنت أعيش حياة جيدة ماديا بالمغرب، لكن فضلت الهجرة عند أول إحتكاك لي بمستشفيات المغرب” و يضيف المهندس الشاب:”عندما أصيب ابني بوعكة صحية رافقته لمستشفى عمومي فلم أجد من يصغي إلي، اضطررت للذهاب لمصحة خاصة، كانت الظروف حسنة نوعا مما ، لكن المقابلات التي يطلبونها خيالية و لو كان السبب بسيطا”.
و إذا كان الاعتقاد السائد أن أغلب المهاجرن تكون نيتهم المسبقة تحسين وضعهم المادي، فإن هذا المهندس يؤكد أن الكثير من الاطر المهاجرة كانت تعيش وضعا ماديا جيدا بالمغرب، فهم أطر البلاد و أجورهم هي الاعلى، لكن المناخ العام لا يسمح بالبقاء، فإما أن ننتظر أن تتغير الامور نحو الافضل أو نهاجر إلى أوطان أمورهم أفضل منذ الان.