الرئيسية

نظام التعاقد: 14 ألف أسرة تعيش الشتات

تتحدث بشغف كبير عن مهنتها كمعلمة، عن أنشطتها مع تلاميذها ومبادراتها الإنسانية لمساعدة المحتاجين منهم. تُدرس فاطمة، ذات الثلاثين ربيعا والأم لطفل لا يتجاوز عمره أربع سنوات،بإحدى المؤسسات التعليمية بنواحي مدينة ورزازات، بجهة درعة تافيلالت، جنوب شرق المغرب. كلها حماس للعمل التربوي والإسهام في تعليم الأطفال، لا يشكل لها عملها في منطقة جبلية نائية إكراها، […]

تتحدث بشغف كبير عن مهنتها كمعلمة، عن أنشطتها مع تلاميذها ومبادراتها الإنسانية لمساعدة المحتاجين منهم. تُدرس فاطمة، ذات الثلاثين ربيعا والأم لطفل لا يتجاوز عمره أربع سنوات،بإحدى المؤسسات التعليمية بنواحي مدينة ورزازات، بجهة درعة تافيلالت، جنوب شرق المغرب. كلها حماس للعمل التربوي والإسهام في تعليم الأطفال، لا يشكل لها عملها في منطقة جبلية نائية إكراها، بيد أن ما يقض مضجعها هو  نظام العمل بـ “التعاقد” مع الأكاديميات الجهوية الذي يحرمها من تحقيق حلمها الأسري والانتقال نهائيا للعمل في جهة مراكش تانسيفت حيث يعمل زوجها.

اللقاء ممنوع إلى الأبد

بعد علاقة حب استمرت لسنوات، قرر الإثنان تكوين أسرة. ظروف عمل زوجها أرغمت الأخير على الانتقال ولاستقرار في مدينة مراكش، على بعد أكثر من 500 كلم من مقر عمل رفيقة عمره. هذا الوضع يجعلهما يعيشان شتاتا عائليا له انعكاساته النفسية والإجتماعية، إذ لا يلتقيان سوى خلال فترات العطل، “هذه السنة مثلا، سنلتقي أسبوعا ثم ننتظر خمسة أسابيع أو أربعة لنلتقي مرة أخرى وهكذا، كيف سنربي أبناءنا في هذا الوضع؟”. تعد “فاطمة ” الأيام بعيدة عن حضن زوجها وهي تحاول إخفاء دموعها. “فاطمة”، واحدة من مئات أطر الأكاديميات، أو ما يطلق عليه “الأساتذة المتعاقدون”، الذين يعانون من “الشتات الأسري” بسبب تنصيص قوانين التوظيف في الأكاديميات على الالتزام بالعمل في جهة التعيين، وهو ما يجعل الوضع يتعقد عندما يشتغل الطرف الاخر في جهة أخرى ولا يستطيع أن يترك العمل بها. المعضلة كما تقول “فاطمة” في حديثها لمنصة “هوامش”، ان “هذا الوضع سيستمر إلى الأبد، ما لم تغير الأكاديمية قوانينها، وتسمح بالحركة الانتقالية الوطنية لأطرها، أو يجد زوجي وظيفة غير قريباً مني”.

طلاق وإلغاء عقود زواج وشتات 

حسب الإحصائيات التي توصلت بها “هوامش” تعيش أزيد من 14000 عائلة من موظفي الأكاديميات حالة من “التشتت الأسري” أو ما يسميه “الأساتذة المتعاقدون” وضعية “اعتقال داخل الجهات”. أنتج هذا الوضع المئات من حالات الطلاق و إلغاءات وعود زواج فقط لأن أحد الزوجين ينتمي إلى جهتين مختلفتي.

نظام التوظيف الجهوي، الذي بدأ تطبيقه في قطاع التعليم منذ 2016، ويشمل لحدود الآن نحو 85 ألف أستاذ موظف في مختلف الأكاديميات الجهوية، تسبب في إنهاء الكثير من علاقات حب كانت ستنتهي بالزواج، لكنها أجهضت بسبب التحاق أحد الطرفين بالوظيفة للعمل في جهة أخرى.

قصة فاطمة لا تختلف عن قصة خديجة سوى في التفاصيل. تضطر خديجة، أستاذة في إحدى المؤسسات التعليمية نواحي مدينة فاس، إلى التنقل يومياً بين مقر العمل ومكان إقامتها مع أبويها. تسبب لها هذا التنقل اليومي في وسائل النقل العمومي على طريق غير معبدة  في الإجهاض. يشتغل زوجها “عادل”، 33 سنة، كعامل في مصنع السيارات بمدينة طنجة. تقول “خديجة ” في تصريح لـ “هوامش” : “لقد وجدت إمكانية للتبادل مع أستاذ يشتغل في طنجة ويريد الانتقال إلى فاس. لكن عندما ذهبت إلى الاكاديمية قالوا لي ليس لك الحق في الانتقال خارج الجهة حتى بالتبادل، رغم أن الانتقال بالتبادل مثلا لن يكلف الأكاديميات سوى تغيير اسم بآخر”. ثم تسترسل في كلامها، “زوجي يقف بجانبي ويدعمني منذ بداية زواجنا الذي بلغ الآن سنته الثانية، لكن مؤخرا بدأ يقول ‘إلى متى يجب أن نستمر على هذا الوضع’. الأكيد أنه سيمل ويضجر وهذا طبيعي، فهناك حالات عديدة وصلت إلى الاختيار بين ترك الوظيفة أو الطلاق، نظراً لغياب هناك حل”.

معتقلون في الجهات

“أحمد” تاجر نواحي مدينة زاكورة، يقول لـ “هوامش” إنه فسخ خطبته من صديقته التي أحبها وعشقها بصدق بعد أن تعذر إلتحاقها به لأنها تعمل أستاذة بأكاديمية سوس ماسة. لكن قصة “عائشة” لا تتعلق ب “زواج مع وقف التنفيذ”، بل بالحرمان من الانتقال على الرغم من المعاناة لأسباب صحية. تحكي “عائشة”، ذات الثلاثين سنة، أستاذة بالجهة الشرقية، لـ “هوامش” معاناتها النفسية والمعنوية جراء الحرمان من الانتقال إلى الشمال حيث تقطن عائلتها، رغم تأثر صحتها من الطبيعة المناخية غير الملائمة حيث تعاني من مشاكل تنفسية.

تقول “عائشة” واصفة الوضع بحرقة: “القانون يمنح للمرسمين امتيازات الانتقال لأسباب اجتماعية وصحية وهو الشيء الذي حرمنا منه، ووجدنا أنفسنا رهيني الإعتقال الجهوي. لم أعد أطيق البقاء هنا، والظلم والتقارير المزورة في حقي لا تتماشى والمجهودات التي أقوم بها، إذ يتم تبخيسها والاستهانة بها، أيعقل هذا؟ خمس سنوات ولازلت أتلقى تقاريراً تصفني بـ “الأستاذة المبتدئة” وتركز على هفواتي مع إغفال الجوانب المشرقة في مسيرتي كجهودي الدؤوبة لتعليم النشء بضمير يقظ وتفان عال. أي منطق هذا الذي يملي على المؤطر التربوي أن يشهد زورا؟!”.

تتابع “عائشة” حديثها بمطالبة القطاع الوصي بإيجاد حل عاجل بفتح باب الحركة الوطنية في وجه المتضررين من “الإعتقال الجهوي” سواء العزاب أو المتزوجين، وتؤكد أن “غياب الاستقرار النفسي والاجتماعي للمدرس يحول دون عطاء تربوي جيد ,في ظل هذه الأجواء العكرة والضغوطات النفسية والمعيقات البشرية انى لنا بالاستقرار؟ أنى لنا بتقديم عطاء أفضل للمتعلمين؟ كيف نساهم في تحقيق الجودة ونحن معتقلون جهويا كأننا غرباء عن وطننا”.

تختتم “عائشة” تصريحها بغصة في الحلق “انخرطت في كل المحطات النضالية وجسدت كل اضرابات التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد وأفوض أمري إلى الله لعله يحدث بعد ذلك أمرا ومخرجا”.

هذا وقد أكدت “تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” في الكثير من بلاغاتها على مطلب حق المشاركة في الحركة الوطنية للأساتذة المتعاقدين، إلى جانب مطلبهم الأساسي بالإدماج في الوظيفة العمومية، لكن لحدود الآن لازالت الحكومة تتشبث برهانها على التوظيف الجهوي دون السماح بالانتقال بين الجهات.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram