يتعلق الأمر بفقيه خمسيني يتعاطى أعمال السحر والشعوذة ، وشخص يبلغ من العمر 61 سنة من ذوي السوابق في التنقيب عن الكنوز. أما التهمة التي توبع بشأنها االمتهمان الرئيسيان فقد كانت “جناية اختطاف قاصر يقل سنه عن اثني عشرة عاما نتج عنه موت القاصر، وجناية اختطاف قاصر يقل سنه عن اثني عشرة عاما نتج عنه موت القاصر وجنح النصب وتقديم رشوة”.
منذ 26 شتنبر الماضي، لم يعد ما يجري في القرية التي تختبئ بين المرتفعات شأن سكانها فقط، فجأة أصبحت تفاصيلها وتفاصيل حياة سكانها تحت رحمة عدسات الكاميرات، وفضول المتابعين من كل مكان، اكتشاف بقايا جثة طفلة اختفت لمدة 40 يوما أصبح نقطة تحول في تاريخ الدوار.
آبار من الغموض في بلدة تحيط بها جبال من الأسرار، هكذا يمكن وصف ما يحدث في دوار تفركالت الذي ينتمي لجماعة مزكيطة التابعة لإقليم زاكورة بجهة درعة تافيلالت، الحذر سمة بارزة لكل من قبل الحديث إلينا، وأغلب المتحدثين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم الحقيقية.
اختفت نعيمة الروحي، 5 سنوات من العمر، يوم 17 غشت 2020، على الساعة العاشرة صباحا، خرجت من البيت ولم تعد، وفي نفس اليوم بدأت رحلة البحث، أطلق الأهالي نداء عبر مكبر الصوت الخاص بالمسجد، وهرع الجميع للبحث في الدوار ومحيطه.
’’عدت حوالي الساعة الثانية بعد الزوال يوم 17 غشت، ووجدت نفيرا للأهالي، كان محيط المنزل يشهد تجمهرا للنساء، وانتشر أهل الدوار في المرتفعات المحيطة بنا‘‘ يقول عبد المجيد الروحي، عم نعيمة، في تصريح لمنصة ’’هوامش‘‘.
ويضيف المتحدث ’’كنا نظن في البداية أنها عند أحد الجيران، خاصة أنها كانت تعاني من إعاقة، ثم حين لم يظهر لها أثر قرر الأهالي توسيع البحث إلى المرتفعات والمساحات المحيطة بالدوار، وعندما لم نجد لها أثرا توجهنا إلى الدرك الملكي‘‘، وضعت الأسرة بلاغا لدى الدرك الملكي مرفوقا بصورتها ونسخة من عقد ازديادها وبدأت رحلة أخرى.
أطلقت صفحات على الفايسبوك نداء للبحث عن الطفلة المختفية بالتوازي مع البحث الميداني والتبليغ لدى الدرك الملكي، وفي اليوم الموالي حضرت عناصر الدرك مصحوبة بالكلاب المدربة، كما حضرت عناصر الوقاية المدنية وجرى البحث حتى في الآبار ’’بطلب مني حضرت عناصر الوقاية المدنية وفتشوا 4 آبار مكشوفة قريبة من البيت لكن لم يجدوا شيئا‘‘ يصرح عبد المجيد الروحي.
عثر أحد الرعاة على ما تبقى من نعيمة أثناء عودته من المرعى في مكان منقطع بعيدا عن عيون الساكنة بأحد الجبال المحيطة بالدوار، ويؤكد جميع من تحدثنا إليهم أن فرضية القتل تعتبر فرضية صلبة البناء، فالمكان حيث وجدت بقايا جثة الطفلة مر منه الأهالي وبحثوا حوله يوم اختفائها، ويخلصون إلى أن هناك من أتى بما تبقى من عظامها وتخلص منها هناك.
ما يؤكد فرضية القتل أيضا هو العثور على ملابس الطفلة دون تمزيق أو خدش ولا أي أثر للدماء، ’’ عثرنا على الهيكل العظمي والجمجمة، وتعرفنا عليها من خلال الملابس وضفائرها وأربطة شعرها‘‘ يقول عبد المجيد الروحي عم نعيمة، ويؤكد بدوره أنه هو نفسه مر من ذلك المكان أكثر من مرة.
من حديثنا إلى المستجوبين من أبناء المنطقة فهمنا المقصود بالسابقة، فخطف الأطفال ليس سابقة، إنهم يقصدون فقط القتل، القتل هو السابقة الوحيدة في المنطقة، حيث أن أهالي المنطقة سبق أن اشتكوا للدرك من شخص يقوم بخطف الأطفال ويأخذ من دمهم ثم يعيدهم.
ويروي أحد المتحدثين عن واقعة ضبط ’’فقيه‘‘ من دوار الرباط وهو يحاول خطف طفل بدوار الزاوية، الواقعة حدثت سنة 2018، حيث ضبط متنكرا بزي نسائي ويضع خمارا وحاول خطف طفل فتجمهر حوله سكان دوار الزاوية وأبرحوه ضربا ثم سلموه للدرك ليطلق سراحه بعد ذلك.
’’الشخص الذي ضبطه سكان دوار الزاوية وأطلق سراحه، هو أحد المشتبه بهم الموقوفين على ذمة القضية، وهو نفس الشخص الذي اشتكت منه ساكنة المنطقة لدى الدرك ولم يجر بشأنه شيء بسبب عدم توفر الأدلة حسب ما قال لنا الدرك‘‘ يقول أحد سكان المنطقة الذين اشتكوا منه.
غموض قضية نعيمة، لا يوازيه سوى غموض تصريحات الساكنة، حيث يؤكد كل من تحدثنا إليهم من أبناء الدوار أن حالة اختفاء نعيمة سابقة من نوعها، لكن مزيدا من الأسئلة كشف عن وجود سوابق اختطاف لأطفال ثم إرجاعهم، هذه ممارسة شائعة يقوم بها الباحثون عن الكنوز.
المسكوت عنه في المنطقة هو البحث عن الكنوز، ’’البحث عن الكنوز منتشر بشكل كبير، الحفر منتشر في كل مكان‘‘ يقول أحد محدثينا ويضيف ’’المسجد القديم تم حفره، عدد من الأضرحة أيضا‘‘، حين يكتشف أهل الدوار حفرة جديدة في الصباح يقولون أن هناك من استخرج كنزا البارحة، ثم يواصلون حياتهم.
يمارس الباحثون عن الكنوز أنشطتهم تحت جنح الظلام، لذلك يتجنب الناس الخروج بالليل حسب تصريحات بعض أبناء الدوار، ’’تتم هذه الأنشطة ليلا، ولا أحد يجرؤ على التوجه إلى ذلك المكان الذي يجري فيه الحفر، الناس تشعر بالخوف‘‘ يقول متحدث من أبناء الدوار.
يتحدث الأهالي عن الباحثين عن الكنوز بضمير الغائب ’’هم‘‘ بشكل يوحي بأنهم أشباح تحضر ليلا وتذهب، ’’أشباح‘‘ تأتي مزودة بأدوات الحفر وبوسائل الإضاءة. لا يرغب سكان الدوار والمنطقة عموما في الحديث عن الموضوع ولكنهم يتداولون أن أولئك ’’الأشباح‘‘ محميون من جهات نافذة.
يمكن القول أن شهر شتنبر كان ’’شهر الأطفال الحزين‘‘ في المغرب، فقد جرى اكتشاف جثة عدنان بوشوف، 12 سنة، مقتولا بعد تعرضه للاغتصاب، في مدينة طنجة، وظهرت بقايا عظام نعيمة قريبا من بلدتها، حادثتان فطرتا قلوب أسر الطفلين وقلوب آلاف من المغاربة تجندوا للبحث ومطالبة السلطات بعقوبات صارمة مع المعتدين على الأطفال.
بعد فترة وجيزة خفت البحث عن نعيمة، لكن حادثة اغتصاب وقتل طفل في مدينة طنجة (شمال المغرب)، أعادت قصة نعيمة إلى الواجهة. قصة الطفل عدنان عرفت تداولا كبيرا بعد نداء أطلقه نشطاء على الفايسبوك، وتكثف البحث إلى أن تم التوصل إلى مشتبه به أظهرت تسجيلات كاميرات المراقبة أنه كان يمسك بيده ويصطحبه إلى مكان ما، ليعلن أنه اعترف باغتصابه وقتله.
أطلق اكتشاف جثتي عدنان ونعيمة انتقادات للإعلام من جهة عدم الاهتمام بجهة درعة تافيلالت، ووجه الكوميدي باسو، في تدوينة له، انتقادا شديدا للمنابر الإعلامية التي لم تهتم بالذهاب إلى إقليم زاكورة، ووجه لها لوما شديدا لأنها لم تنتقل إلى أكدز من أجل متابعة قضية نعيمة وختم بجملة قاسية ’’المشكل ليس مشكل اغتصاب فقط، بل مشكل عقلية وجغرافية ولون (…) المركزية تقتل البلاد‘‘.
للوصول إلى دوار تفركالت توجد طريقان إحداهما تمر من مركز أكدز مرورا بتاليوين وأخرى تمر على قنطرة تكاترت، ’’الطرق معبدة رغم حاجتها إلى التوسعة والتهيئة، لكن وضعها أفضل من مناطق أخرى كثيرة‘‘ يقول أحد سكان البلدة.
وإن كان الوصول إلى الدوار سهلا نوعا ما، فإن الصعوبة تكمن في الحديث إلى الناس، الجميع يتكلمون بحذر، وجل من تحدثنا إليهم طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، واقعة اختفاء نعيمة والعثور على جثتها غير مزاج وعفوية الناس، ’’العديد من الناس يخشون التحدث إلى الصحافة، هناك من استدعاهم الدرك فقط لأنهم أوصلوا صحافيا إلى الدوار أو التقطوا صورا أو ما شابه‘‘ يقول متحدث فضل عدم الكشف عن اسمه.
على المستوى الأمني يتبع دوار تفركالت لسرية درك أكدز، وتتوفر السرية على 19 عنصرا موكول لهم أمر التدخل في سبع جماعات ترابية يتجاوز عدد ساكنتها 60 ألف نسمة حسب إحصاء سنة 2014، وبهذا يسهر عناصر الدرك التسعة عشر على أمن الساكنة في كل من جماعات أفلا ندرا، تانسيفت، أكدز، مزكيطة، أفرا، تمزموط وجماعة اولاد يحيى.
نقلت منابر إعلامية، عن مصدر أمني، أن الفرقة الوطنية للدرك الملكي تولت البحث في قضية الطفلة نعيمة الروحي، بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بورزازات، كما نقلت عن نفس المصدر أمر وكيل الملك بفتح قضية تعود إلى سنة 2017، حين تقدمت مواطنة من منطقة أسكجور نواحي زاكورة بشكاية تتهم فيها أشخاصا بينهم مسؤول بعمالة زاكورة ومقاول و’’فقيه‘‘ باستغلالها في أعمال البحث عن الكنوز.
’’سعاد الزوهرية‘‘ التي خرجت في لقاء صحافي تتهم أشخاصا باستغلالها في البحث عن الكنوز وممارسة أعمال الشعوذة اعتمادا على صفة خاصة تتمتع بها وهي أنها ’’زوهرية‘‘، المرأة وضعت شكايتها مطلع أكتوبر 2017، ولم تفض شكايتها إلى شيء وهذا ما دفعها للخروج إلى الإعلام شهرا بعد ذلك وحكت قصصا وحوادث مرعبة.
وربط نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بين قضية سعاد ’’الزوهرية‘‘ وقضية نعيمة، على اعتبار أن الشخص الذي تتهمه سعاد والذي أصبح زوجها ’’فقيه‘‘ والمسؤول في عمالة زاكورة والمقاول كلهم من عمالة زاكورة، التي يقع ضمن ترابها دوار تفركالت، إضافة إلى أن العصابة المفترضة تتحرك في مناطق مختلفة من المغرب وليس فقط في منطقة زاكورة.
الموقوفان في قضية نعيمة هما شخصان يؤكد سكان المنطقة أنهما يقومان بالبحث عن الكنوز، وعكس ما ذهب إليه البعض ليس بينهما زوج سعاد، أحدهما له سوابق في خطف الأطفال كما سلف، تم توقيفه في ضواحي مدينة خنيفرة التي وصل إليها بعد اكتشاف بقايا جثة نعيمة، والثاني ابن تفركالت ومعروف لدى أبناء الدوار وما عزز الشكوك فيه هو محاولته إرشاء عناصر الدرك الملكي بمبلغ مليون سنتيم حين تم استدعاؤه للتحقيق.
يجزم أغلب المتحدثين إلينا بعلاقة الموقوف الأول الذي ينحدر من دوار الرباط بالعصابة المفترضة التي تحدثت عنها سعاد ’’الزوهرية‘‘، ويستدلون على ذلك بكونه يتمتع بحماية من مسؤولين كبار بينهم مسؤول بعمالة زاكورة، ’’لهذا السبب كانت الشكاوى ومنها شكاية سعاد تحفظ دون أن يفتح تحقيق بشأنها، إنها عصابة كاملة الأوصاف‘‘ يقول أحد المتحدثين.
الشخص ’’الزوهري‘‘ في المعتقدات الشعبية هو شخص يصادف مولده ظهور كوكب الزهرة، ويتميز بخط في يده أو بعلامة في عينيه أو رأسه أو هي معا، كما تصف ذات المعتقدات أنه من نسب ’’مبارك‘‘ وأنه من عالم الجن تم استبداله حين ميلاده وأصبح من الإنس، وهذه الصفات تجعل شخصا مميزا ودمه يسهّل استخراج الكنوز التي يحميها الجن.
يؤكد عبد المجيد الروحي عم نعيمة في حديثه إلينا أنهم لا يوجهون اتهاما مباشرا لأحد، لكن القرائن والوقائع تسهل الربط بين الملفات المطروحة على جهات البحث، يتحدث العم بكثير من الحرص والدقة، دقة في الإصرار على كشف الحقيقة، وحرص على العلاقات العائلية التي تجمع شمل الدوار.
فتح ملف نعيمة الروحي جراحا كثيرة وألما شديدا، كما فجر أسئلة حارقة، وإن كانت ساكنة المنطقة تسلم بما تعتبره سلطة جهات نافذة وحمايتها لهؤلاء الأشخاص وهو ما جعل الأفواه مقفلة إلى يومنا هذا، يطرح السؤال الأمني على وزارة الداخلية بشكل خاص وعلى مسؤولي عمالة زاكورة، كما يطرح على القضاء سؤال عدم تعميق البحث في الشكايات التي تتقدم بها الساكنة، وفي الحد الأدنى غياب سياسة تواصلية شفافة تهدئ من روع ساكنة تعيش رعبا حقيقيا وتخشى حتى من الحديث في الموضوع.