الرئيسية

قصتي مع دعم كورونا والمُجيب الآلي

“تُفيد المعلومات المدلى بها أنكم لا توجدون ضمن لائحة المستفيدين السابقين”، هذا نصّ الرسالة التي توصّل بها لحسن من الرقم 1212 الذي أحدثته الحكومة رهن إشارة المواطنين الراغبين في تقديم طلبات الاستفادة من المساعدات المخصّصة للأسر المتضررة من “جائحة كوفيد 19” وإجراءات فرض الحجر الصحي. لا يزال ’’لحسن‘‘ يحتفظ بالرسائل الواردة ويتفقد هاتفه من حين […]
لحسن في محلّه الصغير

لحسن في محلّه الصغير

“تُفيد المعلومات المدلى بها أنكم لا توجدون ضمن لائحة المستفيدين السابقين”، هذا نصّ الرسالة التي توصّل بها لحسن من الرقم 1212 الذي أحدثته الحكومة رهن إشارة المواطنين الراغبين في تقديم طلبات الاستفادة من المساعدات المخصّصة للأسر المتضررة من “جائحة كوفيد 19” وإجراءات فرض الحجر الصحي.

لا يزال ’’لحسن‘‘ يحتفظ بالرسائل الواردة ويتفقد هاتفه من حين لآخر على أمل أن يتوصل برسالة تفيد بأن طلبه تمت الاستجابة له أو، على الأقل، أُخذ بعين الاعتبار.

آخر رنين هاتفي تلقاه يؤكد أن المعلومات التي أدلى بها لا تفيد بوجود إسمه ضمن لائحة المستفيدين. لكن لحسن لا يستسلم، لذا يُواصل حتى اليوم إرسال “شكاويه” إلى الرقم 1212.

محل نجارة بدون كهرباء

يجلس لحسن ذو الـ 54 سنة، في محل صغير يفترض أنه مخصص للنجارة؛ مهنةٌ يزاولها منذ 38 سنة. بدأ متدربا عند أحد الحرفيين، ثم تدرج قبل أن تمكن من إنشاء محل خاص به. إستقرّ في البداية في سوق قرب الباطوار ببني ملال، قبل أن يقرر المجلس البلدي تنقيل المحلات هناك، في إطار برنامج محاربة دور الصفيح. إلّا أن أرضية السوق الجديد متربة، فالأزقة غير مُبلّطة، كما أن المحلات لا تتوفر على الماء ولا على الكهرباء وغير مرتبطة بشبكة الصرف الصحي. ’’نحن لا نتوفر على شيء هنا. نلجأ لمراحيض المسجد المُجاور لقضاء حاجتنا أو لجلب الماء. لا نتوفر على شيء‘‘، يقول أحد الحرفيين الذين التقيناهم هناك.

إنتقل لحسن وزملاؤه الحرفيون إلى هذا السوق سنة 2010، لكن أحوال الجميع تغيرت إلى الأسوأ منذ ذلك الحين. يرى لحسن أن الوضع كان أفضل نسبيا في السوق السابق إذ أن كان يعيش رواجاً نسبياً رغم أن المحلات كانت عبارة عن “براريك”. “خْرْجوا عْلينا”، هكذا يختزل لحسن هذا التغيير.

موقع السوق ليس المعيق الوحيد الذي غيّر حياة الحرفيين الذين انتقلوا إلى هذا المكان، فالمحلات لم يتم ربطها بشبكة الكهرباء. يقول لحسن، ’’أنا لا أتوفر على كهرباء والنجار لا يمكنه الاشتغال بدون كهرباء. نحن نعاني هنا في صمت منذ عشر سنوات. طرقنا كل الأبواب وتعبنا من المطالبة بتزويدنا بالكهرباء، لكن في كل مرة نواجَه بالتسويف‘‘.

دردشة لحسن مع المُجيب الآلي

نص دردشة لحسن مع المُجيب الآلي

دردشة مع المجيب الآلي

يجلس ”لحسن” في محل للنجارة في منطقة البطوار في بني ملال، بدون مصدر دخل قارّ بسبب محدودية أنشطته. لم يتوقف عن إرسال الرسائل القصيرة إلى الرقم المذكور. لم يدرك أن الرسائل التي تصله في هاتفه تأتي من مجيب آلي. يواصل الرّد بحماس على جميع الرسائل:  ’’أعرف أنني لم أستفد، لكن يجب أن أستفيد في هذه المرحلة، لا تحرموني من حقوقي‘‘، هكذا كتب لحسن في إحدى الرسائل. لحسن ليس وحيداً في هذا الوضع، فـ 34%  من الأسر المغربية لا تتوفر على أي مصدر للدخل بسبب توقف أنشطتها أثناء الحجر الصحي. ترتفع هذه النسبة بشكل طفيف في صفوف الأسر القروية (% 35) مقارنة مع الأسر الحضرية (% 33)، بحسب الأرقام الرسمية التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط (بناء على دراسة أنجزتها في الفترة الممتدة من 14 إلى 23 أبريل 2020).

حِرفي في “مقبرة”

رغم ذلك لم يدخل لحسن ضمن قائمة المستفيدين من الدعم، إذ أن أسرة واحدة من كل خمس أسر (% 19) تلقت مساعدات من الدولة للتعويض عن فقدان العمل 13% في إطار برنامج “راميد”، أي نظام المساعدة الطبية (بالنسبة للعاملين في القطاع غير المهيكل)، و6% في إطار برنامج مساعدة الأجراء بالقطاع المنظم (المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS).

بسبب نقل الحرفيين إلى السوق الجديد وضيق  ذات اليد افترق لحسن عن أسرته، واضطر للسكن في نفس محله. ’’أنا أبيت هنا في المحل. هذا هو سكني. المسؤولين “خْرْجوا عليا”. تزوجت سنة 1995 وابني يبلغ حاليا 21 سنة. بسبب هذه المشاكل افترقت عن أبنائي، غادرني أبنائي لأنني لم أعد أستطيع اعالتهم. لقد أصبحت مشردا بسبب المجالس الترابية، وأغلب المهنيين هنا لم يعد بإمكانهم توفير قوت يومهم‘‘.

تقدر المعطيات الرسمية عدد الفقراء في المغرب بأكثر من ثلاثة ملايين شخص، لكن البنك الدولي نبه  في تقرير حديث له “إلى أن قرابة عشرة ملايين من أصل 35 مليون مغربي معرضون للفقر بسبب الأزمة الصحية، فضلا عن تداعيات موسم فلاحي جاف يلوح في الأفق.

يضع لحسن أدوات ومواد عمله المتواضعة أمام المحل ليترك متّسعاً من المساحة في المحل. يقول لحسن، وهو يرتب بعض علب الصباغة و”الدوليو” على طاولة خشبية، ’’هل هذا محل نجارة؟ من سيطلب خدماتي وأنا لا أحمل في يدي سوى مطرقة وكلّاب؟! يجب أن يوفروا لنا الكهرباء كي نتمكن من العمل‘‘. ثم يواصل “يقولون أننا استفدنا، هل هذه استفادة؟ يقولون أعطيناكم، ماذا أعطونا؟ أعطونا مقابر!”. يسرق لحسن نظرة إلى هاتفه، ثم يقول بأسى “على من يمكنني الاعتماد؟ لا يمكنني الاعتماد على أبنائي، فالأبناء ينشغلون مع زوجاتهم وأبنائهم. نحن نعيش كالبهائم، هذه هي الحقيقة. هذه هي عيشة ‘الذبانة فالبطانة'”.

إقرأوا أيضاً:

من نفس المنطقة:

magnifiercrosschevron-down linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram