هو من أبناء الريف، دخل السجن بسبب دعوته إلى إقامة مستشفى ومدرسة وتوفير بعض فرص الشغل لأبناء الحسيمة، لكنه اليوم بدون عمل قار بعد خروجه من السجن. وبين سجنٍ وسجن، رُزِق بـ”أمَل”، وألم فراق والده لا يزال حديث العهد. جرح فراق والده ضل ملازما لـإعمراشا الذي يقر في هذا الحوار أن ما تعرض له في السجن هو سبب وفاة والده.
خفُت حراك الهامش، خرج المرتضى إعمراشا من السجن. فوجد أن كل ما تحقق فيها هو مزيد من “الإسمنت والقمع الأمني”، وارتفاع معدلات البطالة بين صفوف الشباب الذين تملأ خطط الهجرة ـ وإن على قوارب الموت ـ مخيلاتهم .
هكذا يصف المرتضى حال المدينة التي وصل صدى حراكها كل أنحاء العالم دون أن يتحسّن حالها. ما دفعه إلى افتراش الأرض وبيع الملابس في الشارع.
بدل أن تروج سلعته، راجت بشكل كثيف صوره كبائع على شبكات التواصل الإجتماعية، ولازالت الرسالة لم تصل: نشطاء الحراك المفرج عنهم ـ كما أبناء المنطقة ـ بحاجة إلى مبادرات تحفظ لهم حق العيش وتقيهم شرّ البطالة، هذا ما يؤكده المرتضى إعمراشا في هذا الحوار الذي خص به ”هوامش” مكررا أنه لن يكون شاهدَ زورٍ للمرحلة.
الوباء أدخل الحسيمة في انتظارية أخرى مما زاد في منسوب التوتر والسخط
الهدف من صورة “الفراشة” أن يعرف الناس مكان عرض سلعتي، لكن تم استعمالها في اتجاه آخر ولم تنفعني في تجارتي..
تعرضتَ للاعتقال والسّجن على خلفية حراك الريف قبل أن يُفرج عنك ما تغير في ملامح الحسيمة ؟
لاحظت تغيراً نسبياً من ناحية الاستثمار العمومي في الإسمنت وبعض البنيات التحتية كواجهة المدينة، وغير ذلك من المشاريع التي تندرج في إطار مشروع “الحسيمة منارة المتوسط”، لكن للأسف ازداد الوضع سوءاً من ناحية قمع الحريات والحضور الأمني. كما تضاعفت نسب البطالة أمام غياب استثمار حقيقي في اليد العاملة. كلّ ما يجمع الشباب اليوم في المقاهي هي مواضيع ركوب قوارب الموت نحو الضفة الأخرى.
كيف لمست تأثير فيروس كورونا على منطقة عرفت حراكا اجتماعيا من أجل تحسين الأوضاع؟
المدينة كانت تعيش الانتظارية منذ إطلاق مشاريع “منارة المتوسط” التي عرفت تأخرا كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات. وبعد مقتل محسن فكري وانطلاق الحراك الشعبي بالريف وموجة الاعتقالات، ما زالت ساكنة الإقليم تنتظر. اجتاح هذا الوباء، الذي أدخل العالم في مرحلة انتظارية أخرى، منطقتنا وهي في أسوأ حال، مما أدخلنا في درجة ثالثة من الانتظارية، وهذا ما زاد من منسوب التوتر والسخط. نحن ننتظر بفارغ الصبر أن تنفرج الأوضاع لنعرف في اي اتجاه ستسير أوضاع الإقليم، فلا أحد حتى الآن يعرف هوية المدينة؛ هل هي سياحية أم اقتصادية أم حديقة خلفية للقصر..
رزقت بابنتك وأنت بالسجن وفقدت والدك كذلك، كيف كان وقع ذلك عليك؟
توفي والدي بسبب ما تعرضت في السجن، وأُطلق سراحي تحت ضغط شعبي وغليان غير مسبوق، فقضيت الفترة ما بين 22 يونيو إلى 30 نوفمبر 2017 في حالة سراح كنت أحضر فيها جلسات التحقيق وأسافر إلى الرباط من الحسيمة. ثم فُتح ملف متابعة جديد بالحسيمة، فكنت أحضر جلسة هنا في الحسيمة وجلسة أخرى بالرباط كل أسبوع. لكن الجميل في فترة السراح المؤقت تلك أني حضرت ولادة ابنتي أمل صبيحة 21 يوليوز، ذكرى معركة أنوال وارتقاء عماد العتابي شهيداً. لقد كان خبر ولادة أمل مبعث سرور للجميع، خاصة أننا أسميناها بهذا الاسم وأنا كلي أمل بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وإكمال مسار المصالحة.
أثارت صورتك وأنت تقوم بعرض سلع على الأرض بأحد الأسواق، تفاعلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، كيف نظر للتفاعل الواسع وهل كان له أثر على تجارتك؟
كانت رغبة الصديق الذي التقط لي تلك الصور هي أن يعرف الناس المكان الذي أعرض فيه سلعي لا غير، لكن لم تستخدم الصور في هذا الاتجاه ولم تنفعني في تجارتي. لكنها كشفت لي إلى أي حد لا يفهم الناس واقعنا كمعتقلين مفرج عنهم، هناك من يظن أن لقب “معتقل سياسي” منصب شغل يدر دخلا أو ما شابه، بينما “مول الحانوت” هو الممون الرسمي لنا بدفتر الديون، التفاعل كان جيد جدا وهو استمرار لرسائل الحراك الشعبي بالريف إذ لا نريد سوى أن نعيش على هذه الأرض بكرامة.
أثارت الصورة إشكالية المطالب التي رفعها الحراك، وهناك من رأى فيها تعبيراً عن الفشل في تلبية المطالب واستمرار الأوضاع على حالها، ما هي الصعوبات التي واجهتها بعد الاعتقال في العثور على شغل؟
الملف المطلبي للحراك الشعبي بالريف وضع في رفوف النسيان لأن الدولة مخلصة لأخطائها، والمشاريع التي تبنى من القاعدة على أساس متين والاستشارة مع كافة الجماهير الشعبية هي في نظر السلطة قلب للموازين، إنما وجب فرض مشاريع من الأعلى وفق أهواء معينة، ويا ليت الأوضاع استمرت على حالها فالحسيمة أصبحت مثالا لقنت به الدولة المغربية الدرس لكل مدن المغرب في حال قرروا الانتفاض ضد الفساد والاستبداد. وقوارب الموت التي تخرج يوميا من شواطئنا والشباب الذين تلفظهم الأمواج هي سياسة ممنهجة، تهدف إلى تعزيز الشعور باليأس وقبول الأمر الواقع وتحميل المسؤولية لنا كقادة الحراك الشعبي بالريف.
هل هناك وعود من قبل فاعلين ما؟
الوعود هي كل ما يتقنه الفاعلون من أعلى هرم السلطة إلى آخرها، ونتمنى أن نراها على أرض الواقع.
كانت بعض الشخصيات قد سعت في السابق لإقامة وساطات لحل قضية حراك الريف، من ضمنهم صلاح الوديع ومحمد النشناش، هل هناك تواصل معك أو مع نشطاء الحراك الذين غادروا السجن؟
أنا على تواصل دائم مع الأستاذ صلاح الوديع وأصدقاء آخرين، وأحيانا نجلس في المقهى بشكل فردي أو جماعي كلما زار الحسيمة، وليس هناك أي حديث حالي عن وساطة ما، الحديث كان عن كيفية التعامل مع واقع ما بعد الإفراج وبعض الأصدقاء قالوا، وأنا منهم، أن ما ينغص حياتنا اليوم هو بقاء بعض المعتقلين داخل السجن ولن نستطيع فعل شيء دون أن يكونوا حاضرين معنا، لكن إلى الآن، هي دردشات لا ترقى إلى مستوى مبادرة أو وساطة لأننا كمعتقلين مفرج عنهم لم نتفق على منهج واحد.
هل ظلت هناك علاقات إنسانية أو ربما على أرضية مطالب الحراك بين النشطاء الذين غادروا السجن؟
نعم نحن نلتقي يوميا تقريبا، فنحن أصدقاء قبل الحراك وأثناء الاعتقال وبعد الإفراج، هذه علاقات لا يمكن تجاوزها.
كانت تروج أحاديث عن خلافات بينك وبين ناصر الزفزافي قبل موجة الاعتقالات، هل أذاب السجن هذه الخلافات؟
ليست هناك خلافات بالمفهوم التقليدي، هي وجهات رؤية مختلفة، أنا أرى أننا ارتكبنا بعض الأخطاء كان وجب تفاديها وأهمها استهداف أشخاص بعينهم مهما كانت صفتهم، ونعتهم بعبارات لاذعة لا تليق ومبادئ حقوق الإنسان، لكن الاعتقال وحّد نضالاتنا لأن لدينا عدوا مشتركا أكبر وهو الفساد والاستبداد.
كيف تنظر للمستقبل على المستويين الشخصي وفي العلاقة مع الوضع عموما بمنطقة الريف؟ وكذا مآل الحراك ونشطائه؟
أنا دائما لدي أمل في المستقبل، ومهما كانت الظروف قاسية أحيانا فنحن نبقى أوفياء ملتزمين في إطار مشروع مجتمعي، سواء قبل بهذا الوضع البعض أو لم يقبل، لدينا أهداف، ولا يمكن تحقيقها بدون الأمل في المستقبل، مستقبل تسود فيه دولة القانون والمؤسسات، وننتزع فيه مطالبنا العادلة والمشروعة، حاليا ربما يكون الأمر بعيدا. لكننا كأبناء هذا الوطن لن نكون شهود زور لهذه المرحلة، وسنسجل استنكارنا لكافة مظاهر الفساد والانحراف المؤسساتي، لأن هذه الأمانة ثقيلة على عواتقنا، أمانة أن تكون إنسانا حرا، ولا تترك لأحد فرصة ليستولي على مستقبل أبنائك، إنما نحن من يجب أن نعطيهم مفاتيح المستقبل ونسلمهم بلدنا المغرب أفضل وأقوى، لأننا أصحاب حق، وبهذه الروح انتزعنا استقلال الوطن وسندافع عن تضحياتنا وتضحيات أجدادنا حتى نتأكد أننا نجحنا في تحقيق العدالة الاجتماعية.. أو لنمت ونحن نحاول.