“هوامش”| سعيد المرابط:
المسيرة التي قادتها الناشطة الفرنسية كلود مونجان، زوجة المعتقل الصحراوي النعمة الأسفاري، كانت تهدف إلى الوصول إلى سجن القنيطرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الصحراويين وتمكين مونجان من زيارة زوجها، المحكوم عليه بثلاثين سنة سجناً منذ 2010.
وكشفت كلود مونجان فريد، في حديثها لمنصة “هوامش” أن “السلطات المغربية منعت الوفد الذي كان برفقتي، من النزول في ميناء طنجة، وأجبرتنا على العودة في نفس العبّارة التي قدمنا عليها، دون أن تسلّمنا أي وثيقة رسمية تبرر القرار أو توضح أسبابه”.
وقالت مونجان في تصريحها: “لم يُسمح لنا أن تطأ أقدامنا الأراضي المغربية. أُرغمنا على العودة دون أي وثيقة تبرر ما جرى. لم نتلقَّ أي مبرر قانوني أو إداري، وكأن وجودنا كان خطأ وجب محوه بسرعة”.
وكانت مونجان ضمن وفد فرنسي–إسباني يتكوّن من 13 شخصًا، بينهم أربعة منتخبين محليين، جاءوا في إطار ما أسموه “رحلة الحرية” لدعم المعتقلين والدعوة لإطلاق سراحهم.
وأضافت أنه، “منذ لحظة صعودنا إلى العبّارة، لاحظنا وجودًا أمنيًا كثيفًا؛ رجال الشرطة كانوا يصوروننا، ويسجلون كل حركة، وكأننا مجموعة تشكّل خطرًا على الأمن القومي المغربي”.
وتابعت مونجان أن وفدهم “أرغم على البقاء داخل العبّارة بعد وصولها إلى ميناء طنجة، وتم حجزنا وسط المقاعد. لم يُسمح لنا بالحركة حتى أُفرغت العبّارة من الشهود”.
في اتصال هاتفي مع “هوامش“ قال عالي إبراهيم محمد، عضو اللجنة المنظمة للقافلة، إن المسيرة التي انطلقت من بلدة إيفري سور سين بضواحي باريس، يوم 30 مارس الماضي، متجهة نحو سجن القنيطرة بالمغرب، “ليست سوى صرخة حقوقية وإنسانية تطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين الصحراويين”.
وأكد المتحدث المكلف بالتواصل والإعلام أن هذه الخطوة “جاءت استنادًا إلى قرارات صادرة عن آليات الأمم المتحدة، من بينها فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي ولجنة مناهضة التعذيب، التي خلصت إلى أن اعتقال هؤلاء المعتقلين تعسفي وغير قانوني، ودعت السلطات المغربية إلى الإفراج عنهم دون قيد أو شرط”.
وأضاف عالي أن هذه المسيرة “ليست سوى فعل رمزي، ونداء عاجل بأن هؤلاء المعتقلين حُرموا من العدالة، وعُذبوا، ورُحّلوا، وأصدرت بحقهم أحكام جائرة تصل إلى المؤبد، فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، وشاركوا في اعتصام سلمي بمخيم أكديم إزيك سنة 2010”.
“هؤلاء المعتقلون يعانون من أمراض مزمنة، وكانوا أعضاء في لجنة حوار مع السلطات المغربية داخل المخيم، قبل أن يتم تحويلهم إلى متهمين، ويُعاملوا كمجرمين” يقول عالي إبراهيم لـ“هوامش”.
اتسم رد السلطات المغربية على حادثة منع “المسيرة” التي كان من المزمع تنظيمها في مدينة طنجة، بالصمت الرسمي، حيث لم تصدر أي جهة حكومية بيانًا يوضح أسباب القرار. ويبدو هذا التوجه منسجمًا مع سياسة الرباط المعتادة في التعامل مع القضايا المرتبطة بالصحراء، والتي غالبًا ما تتجنب فيها التصريحات المباشرة.
في المقابل، تداولت وسائل إعلام محلية مقربة من الجهات الأمنية في طنجة رواية تبرر المنع، مفادها أن الوفد الحقوقي الذي مُنع من دخول البلاد “يحمل أجندة انفصالية”، مشيرة إلى مشاركة “نشطاء سبق لهم أن أبدوا تأييدًا لجبهة البوليساريو”.
ودعّمت هذه المزاعم تصريحات سابقة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي أكد في عام 2023 أن أي أنشطة تدعم البوليساريو تُعد “خرقًا للقانون”.
وأفادت صحيفة محلية بأن الأجهزة الأمنية المغربية منعت وفدًا فرنسيًا-إسبانيًا من النزول في ميناء طنجة المدينة، قادمين من ميناء الجزيرة الخضراء بإسبانيا، وذلك ظهر يوم السبت 31 ماي.
وأضافت أن “يقظة وجاهزية مصالح أمن الحدود حالت دون دخول هؤلاء النشطاء إلى التراب المغربي”، بدعوى أنهم كانوا “يخططون لتنفيذ أنشطة تصب في مصلحة أطروحات انفصالية”.
ووفقًا للمصدر ذاته، فإن هذا الإجراء يندرج في إطار “حرص الدولة المغربية على حماية أمنها واستقرارها، والتصدي لكل ما من شأنه المساس بوحدتها الترابية”.
من جهة أخرى، عبّرت كلود مانجان، زوجة المعتقل الصحراوي النعمة الأسفاري، عن احتجاجها على استمرار احتجازه، ووصفت الحكم الصادر ضده بالسجن 30 سنة بأنه “غير عادل ويناقض القانون الدولي”، مشيرة إلى أن محاكمته، إلى جانب محاكمة رفاقه في مجموعة “أكديم إزيك”، تفتقر إلى ضمانات المحاكمة العادلة.
كما ذكّرت مانجان بأنها خاضت إضرابًا عن الطعام دام 30 يومًا في عام 2018، احتجاجًا على منعها من زيارة زوجها، الذي اعتُقل عقب تفكيك مخيم أكديم إزيك الاحتجاجي السلمي الذي أُقيم ضواحي مدينة العيون عام 2010.
في خريف عام 2010، انتصبت خيام النازحين في ضواحي مدينة العيون، وسط الصحراء، حيث أقام آلاف الصحراويين مخيم “أكديم إزيك”، في مشهد نادر للتظاهر المدني السلمي، حيث جاء المخيم للاحتجاج بشكل جماعي على التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي يعانيه السكان الصحراويون، رافعين مطالب تتعلق بالحق في السكن والتوظيف والعيش الكريم، بعيدًا عن أي شعارات سياسية مباشرة.
وفي 8 نونبر 2010، اقتحمت القوات العمومية المخيم بعنف لتفكيكه، مما أدى إلى اندلاع مواجهات دامية بين المحتجين وقوات الأمن، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، واعتقال العشرات.
أحيل حوالي 30 من المعتقلين على المحكمة العسكرية، في محاكمة أثارت انتقادات واسعة من طرف جهات حقوقية، من بينها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
وأدانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حينها، بشدة “القمع العنيف الذي مارسته السلطات المغربية ضد المحتجين السلميين”، معتبرة أن العملية تميزت باستخدام مفرط للقوة، بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي، والقنابل المسيلة للدموع بشكل عشوائي، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا بين قتلى وجرحى. وفق تقريرها حول أحداث تفكيك مخيم أكديم إزيك.
وكان التقرير قد أشار إلى أن التفكيك جاء دون احترام حقوق الإنسان الأساسية، مع اعتقالات واسعة ومحاكمات تمت في غياب ضمانات المحاكمة العادلة.
ودعت الجمعية، في ختام تقريرها، إلى فتح تحقيق شفاف ومستقل في ملابسات هذه العملية، ومحاسبة المسؤولين عنها، إلى جانب الإفراج الفوري عن النشطاء المعتقلين المرتبطين بالأحداث.